فضاءات الدهشة

يهتم بالكتابة المدهشة..رئيس التحرير أحمد الفلاحي

أخبار ثقافية

في طريقه إلى مرّاكش.. صلاح فائق: مستقبل قصيدة النثر في البحث عن الشعري فيها

كتب- صدام الزيدي،،

عبّر الشاعر العراقي صلاح فائق عن امتنانه للجنة المنظمة للملتقى الدولي لقصيدة النثر بمدينة مرّاكش المغربية التي تحتفي به في دورة المهرجان الرابعة بعد أيام؛ إذ أقرّت تسميتها ب “دورة الشاعر الكبير صلاح فائق”..

وقال فائق ل “فضاءات الدهشة”: “أنا ممتن لدعوتي إلى هذا المهرجان في دورته لهذا العام”، معتبراً احتفاء مركز الحمراء للثقافة والفكر، به، وتسمية دورة المهرجان باسمه “احتفاء بالشعر في كل مكان”.

ويرى صلاح فائق في مهرجان قصيدة النثر بمراكش “تأكيد على تحقق تغير كبير في الذائقة الشعرية وثقافتها” إلا انه شدد على الاحتفاء بالشعر، كمنجز انساني: “سنواصل اغناء هذا الانجاز”.

أما عن قصيدة النثر؛ كمنجز، وفي ضوء ما أنجزه صلاح فائق ( بوصفه أحد أعمدتها، الآن)، يقول فائق: “نحن نصنع مستقبلها في كل مكان بالعمل اليومي المثابر، بتجارب الحياة اليومية والبحث عن الشعري فيها”.

ومن المقرر أن يصل- العراقي المأخوذ بدهشة الكتابة بلا نهاية- مدينة مراكش المغربية يوم الإثنين القادم 16 أبريل- نيسان 2018، قادماً من جزر الفلبين الفاتنة؛ حيث المنفى الذي اختاره لنفسه هو واختارته له تداعيات لحظة عراقية موجعة، قبل سنوات؛ ففي أيام 20-21-22 من الشهر الجاري، تنطلق دورة الشاعر الكبير صلاح فائق، وهو المهرجان الذي- ينظمه مركز الحمراء للثقافة والفكر، تحت شعار: “اغترب تتجدد.. قصيدة النثر في ضيافة المسافة”- يأتي احتفاءً بتجربة لافتةٍ استطاعت أن تنتصر لقصيدة النثر، مقترحةً جماليات جديدة ومغايرة في كتابتها.

وما تجدر الإشارة إليه، فإن المهرجان يحتفي بالشعر- قصيدة النثر، كتقليدٍ سنوي، منذ التئامه للمرة الأولى عام 2011، ماداً يديه، هذه المرة، لمصافحة أسماء عالمية- شعراء أسبان ومن الأميركتين الشمالية والجنوبية، من بينهم “دومينيك كريستينا، جون هوينتهاير، كيفن باتريك سالفان، باتريسيا سلفان، مايرون هاردي، كارلوس بيا بويوس، أنطونيو أوريولا، فرانسيسكو كامبيان”.

على أن أصواتاً -يتصدرها صلاح فائق- تضم شعراء عرباً ومن المغرب البلد المضيف: “محمود شرف، أحمد الملا، صلاح بوسريف، محمود عبد الغني، عبدالرحيم الخصار، محمدبشكار، محمد عابد، نورالدين بازين، ثريا إقبال، فاطمة بارودي، ميسون سويدان، عائشة عبد الله، محسن الرملي، خالد الريسوني، مصطفى ملح، نبيل منصر، نور الدين الزويتني، مبارك الراجي، مصطفى الراديقي، محمد العربي غجو، فدوى الزياني، أمل الأخضر، نسيمة الراوي، علي البزاز، إدريس وضول، يوسف الأزرق، علاء كعيد حسب، نصر جميل شعث، دامي عمر، الحبيب الواعي”.

وعلى فضاء قصر الباهية ورياض جبل الأخضر؛ حيث يقام المهرجان، تتواتر قراءات شعرية على فترتين (صباحية ومسائية)، يتخللها ندوة نقدية، تتناول في جلستها الأولى “قصيدة النثر والاغتراب”، بمشاركة النقاد: عبدالجليل الأزدي، عبداللطيف الوراري، محمد العناز ورشيد الطالبي. فيما تناقش الجلسة الثانية “قصيدة النثر والمرجعية”، يشارك فيها النقاد: محمد آيت لعميم، بنعيسى بوحمالة، وخالد بلقاسم، بينما أوكلت مهمة تسيير فقرات المهرجان إلى كل من: حميد منسوم، مصطفى لمحضر، وعبد الحق بوعيون.

من جهته، كان مدير مهرجان قصيدة النثر بمراكش الكاتب و المترجم محمد آيت لعميم، أعلن في بلاغ صحفي، قبل أيام، ان: “الشعر ضرب من السعي في أرض المعنى؛ حيث الغريب للغريب”. حسب تعبيره.

وعن مهرجان قصيدة النثر، بمراكش، يؤكد الدكتور لعميم انه “محاولة لخلق نوع من الحوار الجدي حول هذا النوع في الكتابة- التعريف بها من خلال منجزها في اللغة العربية وفي لغات أخرى- الذي اتسم بالإتيان بالجديد كتابة ودلالة”، ويضيف: “يأتي المهرجان أيضا للإحتفاء ببعض روادها، فقد سبق أن أطلقنا على الدورات أسماء شعراء كتبوا قصيدة النثر، مثل محمد الماغوط وسركون بولص، وها هي هذا الموسم تحمل اسم الشاعر الكبير صلاح فائق”.

ومعروف عن صلاح فائق (أحد شعراء جماعة كركوك) انه لم ينس جماعته من شعراء كركوك من أمثال سركون بولص وجان دمو ومؤيد الراوي وغيرهم، الذين عاشوا عصر الشعر بكلّ مفاجآته، على أن جراحاً كثيرة يداويها الشاعر المحتفى به في مراكش الأسبوع القادم، وهو الذي قال يوماً: “لم يكن سهلا. فقدنا الأهل، المدينة، الوطن. وها نحن، واحدا بعد آخر، نفقد حيواتنا أيضا. لكننا كسبنا الشعر. وهذا الأهم في رأيي”.

اشتعالٌ لا نهائي من الدهشة والافتتان بالقصيدة، هو صلاح فائق: “أطرُقُ باباً وأسألُ:/ -تعرفون صلاح فائق؟/ -نعم نعرفه/ تُجيبُ امرأة متأنقة./ -أين يسكُنُ؟/ -في الفلبّين./***/ مُهيبٌ جفاف الأرياف/ يؤذي الكهوف وملائكة عصاة/ يختفون فيها/ هدّدني حاكمٌ حشّاش/ باعتقالي في مصعد/ إذا أخبرتُ أحداً بذلك”.

ذات مرة، سُئِل صلاح فائق: “كل ما تلمسه يتحول إلى شعر.. كيف تستطيع أن تكون هذا الشخص؟ في سياق مقابلةٍ مع صحفية عربية. “هذا لأن لي تاريخاً مع الشعر، النحات يحول الطين إلى عمل فني، وكذا الشاعر، يتكلم مع الصخر كالنحّات، ويستمع لكل شيء”. يجيب. قبل أن يهمس للمُحاوِرة: “تحتاجين للوصول إلى هذه الحالة زمناً طويلاً”.

تماماً، نحتاج أزمنةً طويلةً، كي نلحق بعوالم صلاح فائق، وادهاشاته الشعرية. أو كما يذهب الشاعر والناقد الدكتور حاتم الصكر، في أحدث مقالاته النقدية، عن “مقاطع صلاح فائق اليومية”: “الإقتصاد والجدة والمفارقة المركبة بلغة شعرية لافتة”.

“هل وصلت إلى الشعر”؟ تسأل صحافية الشاعر صلاح فائق، ذات لقاء: “أعتقد انني وصلت إلى المجرة أو المكان أو فضاء أو أفق ما، هو الشعر”. على انه يؤكد، بينما يتابع إجابته: “نحن لا نذهب إلى الشعر، هو الذي يأتي إلينا”.

يكتب صابر رشدي على صفحات “القدس العربي”، في 22 يوليو- تموز 2017: “في سؤال مباغت، قلت له (يقصد صلاح فائق): من أنت؟ أجابني: أنا عراقي. لم أنتم إلى شيء آخر، كردي، تركماني، آشوري، سومري، شيوعي، ثوري. كل هذا المزيج.
((بعيدا عن هذه القسوة/ أتخيلني سأعثر قريبا/
على منجم للذهب/ هذه حالي وأنا أستلقي على موجة/ لا أدري إن كنت أحلم أو أتوهم/ لأني مشيت حافيا بين ملوك/ تبادلت نظرات يائسة معهم/ ورأيتهم يتلاشون)).

“عزيزي صلاح/ في الشارع ينام الموتى واللصوص معا/ بين براميل الزبالة/ في هذه القارة المسروقة/ وفي هذه الساعة المتأخرة/ يدخل المقهى هندي طويل/ قتلوا حصانه الأبيض/ ولوثوا أنهاره الجميلة/ بينما ممثل عجوز/ يواجهني بصمت/ وعلى المنضدة/ يضع بقايا مسدس/ نجا من أيدي الأهالي بأعجوبة/ في الحرب الاستعمارية الخاسرة/ الهندي حزين هذه الليلة/ تسيل من عينيه سهام مجانية/ ويداه بلا هدف/ إنه يطالب بانتباهي المطلق/ مقابل اكتشافات مخيفة”. رسالة من هوليوود إلى صلاح فائق. التوقيع: سركون بولص.

أما شريف رزق، الشاعر والناقد المصري، الراحل عن دنيانا في لحظةٍ من لحظات 2017 الحزين، (وهو أحد أكثر وأهم النقاد الذين تناولوا شعر صلاح فائق)، فيذهب -في قراءة له في رباعيات صلاح فائق- إلى القول: “احْتَفَتْ شِعريَّةُ القَصِيْدِ النَّثريِّ بشِعريَّةِ النُّصوصِ الصُّغرى،وَمنْهَا شِعريَّةُ الهَايكو وَشِعريَّةُ الرُّباعيَّاتِ، وَالأخيْرَةُ، تحديدًا، تُمثِّلُ مَرْحَلةً في مَسِيْرَةِ خِطابِ صَلاح فائق الشِّعريِّ، وَتُمثِّلُ العَطَاءَ الأبْرَزَ لِهَذَا الشَّكلِ في الشِّعريَّةِ العَربيَّةِ الجَديدَةِ، وَلا تنتمِي رُباعيَّات صَلاح فائق إلى تاريخِ الرُّباعيَّات إلاَّ في بنائِهَا الشِّعريِّ الرُّباعيِّ، وَكثافَةِ البنَاءِ وَالأدَاءِ الشِّعريِّ، وَفيْهَا يتداخَلُ المَعِيشُ بالمُتخيَّلِ، وَالسِّيَريِّ بالتَّاريخِيِّ، وَالآنيِّ بالأزليِّ، وَاليومِيِّ بالكونيِّ، وَالسَّرديِّ بالبَصَريِّ، وَالدَّاخليِّ بالخَارجِيِّ، وَالنِّسبيِّ بالمُطْلَقِ، وَتَتَوَاشَجُ العَوَالمُ وَالرُّؤى، وَتُشْرِقُ الوَمْضَةُ التَّأمُّليَّةُ، وَتتبجَّسُ الشِّعريَّةُ منْ المُفَارَقاتِ، وَمنْ الرُّؤى المُتقاطِعَةِ، وَمنْ عجائبيَّةِ التَّجربَةِ الإنسَانيَّةِ وَشَطْحِيَّاتهَا”.

*صلاح فائق في مقاطع ونصوص:

سرق أحدهم دراجتي قبل أيام
عثروا عليه في مبغى
وضعوه في سجن.
اليوم، بعد الظهيرة،
استلمت رسالة من مدير ذلك السجن
يطالبني فيها بإرسال طعام ونبيذ،
مع علبة دخان، كل يوم، إلى ذلك اللص
لأني سبب وضعه هناك.

***
فقدتُ, البارحة, نقوداً من جيبي المثقوب
أنا بائسٌ قليلاً الآن: أشبه نهراً لم يعد يسيطرُ
على أمواجهِ العالية.
أعدّ نفسي لأتكلّمَ عن هذا, مبتسماً,
مع المحيطِ وأشكو إليه

***

سأتوقفُ عن الكتابة عندما تهجرني الأحلام
المآسي تليقُ بمدخني المقاهي
دواخلهم زجاج محطّم.
لا يكفيني يوم واحد لأحصي خيباتي
خلف نوافذَ لا تنغلق.

علاقاتي جيدة مع حيواناتٍ ضارية
أينما هي, ومع أشجار الغابات
سيئة مع البشر, حتى إذا أصادفهم
في أقصى القطبين
هناك, أتخيلهم عراةً في خيمهم الدافئة, يلتقطون قملاً
من قمصانهم القديمة, أو يتأوهون على أسرّةٍ ضيقة

أنا أحبّ القصيدة التي تمشي,
على رؤوسِ أصابعها, لتسرقَ منهدة حسناءٍ نائمة
في أحد الفنادق.

في قصيدة مثل هذه، تجدون مهاجراً يراقبُ درباً
ثم يقفزُ على مرتزقٍ يحملُ مدفعاً
يخنقه قبل إقترابهِ من مدينته:
هذه المرة الأولى التي يُخنقُ فيها مرتزقٌ
في إحدى قصائدي

أغلقُ بابي بهدوءٍ
كي لا تغضبَ الخادمة وينزعج كلبي
أغطي نفسي بصخرةٍ, أنام.

***
اليوم نسيتُ الضباب في المطبخ وأغلقتُ الباب,
لأني مأهولٌ بطرقاتٍ تؤدي إلى لا مكان,
لقناعتي بأن قراءة الصحف تليقُ بمهرجين
أيضاً لمزاحي مع أرنبٍ عند بوابة جامعة.

أنا مواطنٌ فاشلٌ
سأخبر بلادي عندما تزورني غداً
سأكونُ سخياً معها وأصرفُ عليها نقودي المعدنية
التي أخفيها الآن في صدري

تنتابني حيرةٌ ما,
بسببِ جوعٍ، أوذكرياتٍ عن حربٍ
وفشلٍ مؤلم مع امراة.
منزلي أمام بيتي
بينهما أقزامٌ يأكلون كتباً, أراهم من شباك غرفتي,
سأنضمّ إليهم قبل أن تركض يداي إلى نبعٍ لباعة مخدرات:
لن نرحم القضاة حين يبكونَ أمام سياراتهم المحطمة.

لذا أختبىءُ خلف إمرأتي
حينْ تضحكُ عليهم, أو تصرخُ على خادمتنا الريفية.
إمرأتي جيدة, لا تعترضُ إذا اقترضتُ جناحينِ من نسرٍ
وطرتُ بهما في غرفتنا لأطول وقت
من هنا احترامي لها.

صوت ناي قريب
حدّ أني أرى من ثقوبها قنّاصة يخرجون,
رافعينَ أذرعهم مستسلمين

في فمي زوارق مهاجرين غرقوا
عاصمةٌ تنتحبُ,
حقيبةُ أرملةٍ,
وسجناء يهربونَ من أواسط هذه القصائد.

***

معجزاتٌ كثيرة أمامي وحولي
منها هاتف الجيب, آلة تصوير
طائرةٌ تمرُّ, كومبيوتر,
وصباحاً أثرثرُ مع ركابٍ في قطارٍ سريع.
أجدادي لم يخترعوا هذا كله, ولا أحفادهم
تركوا لنا مخطوطاتٍ عن حكامٍ تافهين
لاطوا, نهبوا, استولوا على نساء قرى.
ها هم في سياراتٍ فارهة,
حولهم شعراء ووعاظٍ وصيارفة
وهناك طيور مبعثرة تحوم فوقهم, وبلا أجنحة.

تلويحة محبة:
جولة متأنية في صفحة الشاعر العراقي الكبير صلاح فائق، على منصة التواصل الاجتماعي فيس بوك، تكفي لاعتناق الدهشة؛ إذ كل نص جديد، نشوة مضاعفة تُثمِلُ قراءتك، غير أن صفحة عامةً أخرى، محمولة بالاسم: “Salah Faik Poetry”، هي الأخرى، تمنحك PDF لمعظم كتب وإصدارات الشاعر التي تزيد عن الثلاثين. أو ما يمكن أن تقول عنها “حديقة صلاح فائق”، كما يحلو له، تسميتها.

على ان عبارةً شعريةً لا حدود لفخامتها، قد تستوقفك، لتأخذك في الفضاءات العليا لجنون الكتابة ودهشة الكائن؛ إذا ما وقعت عيناك على فوتوغرافية للمبدع الاستثنائي الكبير، صلاح فائق، يتكئ فيها على جدار، في قلب واحدةٍ من مدن الله، في أوربا، ومُعلِّقاً: “انظروا إلى هذا الرجل.. انتهى سائحاً في مدينته القديمة”.

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *