الرئيسية / نصوص / ذبابة زرقاء فوق أنفي

ذبابة زرقاء فوق أنفي

عبدالغفار العوضي

بعدها بقليل؛
سيكون كل ما ظننَتَه عالما واسعا بالأمس
أضيقَ كثيرا من معدة تهضم نفسها ببطء..

؛
أنا ميت منذ وقت لا أدركه،
هذا الشعور الخافق بسعادة غامضة،تأتى من الهزيمة المطلقة للزمن
والبقاء طويلا على حافة إعادة ترتيب الفوضى
دون الوصول لعالم بديل مؤقت.

الأصابع وحدها ترقص كعقارب فى صحراء الوقت اللانهائى،
وهى تعيد خلق الأشياء
التى فقدت مسمياتها..
((1
لا أشم أي شيء، فقدانُ حاسة الشم يمنح إحساسا بخلو العالم من المتناقضات
لمجرد أن جسدا يتعفن بالداخل،
وتشعر بالسعادة لأن كائنات أخرى تشارك لحمَك الحياةَ
تنهدم الحوائط تلقائيا وتترك مكانها أوردةً جافة
وذكرياتٍ، ربما ستنمو بعد قليل،
تحرس ما بقى من الندم،
كوردة برية
بلا رائحة…
((2
أذهب فى الثامنة صباحا إلى الشغل،لا أعرف أأنا من يمسك بالخيط أم أن الدمية توحدت مع وظيفتها فى الانمحاء كليا لصالح أن تسير بكل إرادتها وفق مسارات متعرجة لفتات الخبز،
مع مرور ساعات
سنوات
حقب زمنية سحيقة
لا يبقى من الطرفين سوى الخيط الرفيع
فقط..

((3
فى يوم الإجازة الوحيد فى أسبوع طويل، من الضجر الذى يأتى بلا سبب،
أستحم،كى أعيد تحرير الماء من سجنه المتكرر بين ضلوع الصخر،
أغير ملابسى، كتكتيك تقليدى للتمويه داخل صحراء البيت من أعداء متخيلين،
أشرب شايا خفيفا، لأرى من خلال شفافيته الجانبَ الآخرَ من العالم الداكن،
أحلق ذقنى، ثم أدفن الشعر الرمادى فى مقبرة تحت سيراميك الصالة..
ثم أخرج إلى الشارع،
الذى يخلو تماما فى تلك اللحظة
من الأموات..

((4
لا حوائط هنا،
أتملى طويلا فى رؤية جارتى التى لا أعرف سنها الواقعىَّ
لأنها تحمل جمالا حقيقيا،
يهزم التقدم البطئ لخمود الشهوة،
استواءُ ساقيها مثل نخلتين تسقطان تمرهما مجانا للعابرين
فخذان ممتلئان كجرتى ماء تكفيان لنمو غابة هنا فى خواء الروح
بطن تنخفض وترتفع كصحراء تتمتع وحدها بسلطة الوقت والمكان
نهدان ككفتى ميزان يمنح عدلا كافيا لتبقى رغبة الحياة موجودة فى قسوة التفاوت الطبقى..

لا شيء يضاهى لذة التلصص،
وهى تختار فى حيرة من بين حديقة ملابسها الداخلية،
سأرى نصفَ وردة والنصفُ الآخر يختفى وسط المجاز،
سأرى بجعة تشايكوفسكى تُغوى وترى المبتور منذ أمس،
سأرى بيتا خفيا ينادينى
ولا أرى منه سوى أثر النوافذ
التى تبصرنى من الداخل..

((5
كل شئ حى هنا،
ثورةُ الفقراء التى تأتى بعد أن تمتلأ سلة الأرض بالدود
هبوط قوافل التائهين إلى سرة محجوبة بين الله والله الذى مات حين انهارت قدرة اليقين،
على إبقاء الرقبة مؤقتا على مقصلة الإيمان..
عودة المنفيين من معتقلات العقائد..
شنق الجنرالات بالحبال المتجلطة بالخوف..
رؤية العاشقين الخاسرين للمصائر البديلة التى كان احتمال وقوعها أكبر..
سقوط آدم مجددا من جنة الحيرة،
ورؤية عالم آخر
يتشكل
من لحم ميت!

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

تلك الحياة

غسان زقطان ذاهبٌ كي أَرى كيفَ ماتُوا ذاهبٌ نحوَ ذاكَ الخرابِ ذاهِبٌ ...