الرئيسية / نصوص / ابنُ ميتمٍ وشجرتي سرو

ابنُ ميتمٍ وشجرتي سرو

محمد زياد الترك

زياد الترك سبعيني عاطل عن العملِ، نجتمعُ فوق رأسه، نقيّد حركته، وعلى غفلةٍ منه نحقنه بجرعة ثقيلة من التفاؤل..

سامية ابنة مريم ستينيّة على مشارفِ السبعين، فاقدةٌ للأمل، نجمع لها قِواها، نذوِّبها في كأس ماء، ووحدها تتناوله..

الأسماء التي وردت هذه المرّة حقيقية جدًا
ومتوفرة في معظمِ البيوتِ والمقابر!
حقيقية أكثر مما استطعت سرده خلال الأعوام العشرة الماضية، بتجاعيدٍ ترى بالعين المجردة، بمشاحناتٍ صاخبة، بقتالاتٍ هزلية، بامراضٍ جمّة، وأورامِ قهرٍ غير حميدة إطلاقًا…

صاحباني في الإفتراضِ كثيرًا
مرّة في رحلة بحثٍ شاقة عن مأوى للأطفال الرضعِ..
مرتين على ما أذكر لمحكمة مدنية مختصّة في شؤون الطلاقِ..
مرة وحيدة في جريمة قتل ضرورية لمتحرشٍ بالأولاد..
شهر كامل في غرفِ الطوارئ..
ثلاث مرات تنزهنا في مقبرة
ومرة وحيدة كانا هما الجنازتين..

وحدهما أكثر من كل الأشياء الصالحة للاستخدام. كانت مشاهدهما قابلة للتصديقِ
وتساءلت كيف لوغدٍ ناضجٍ في الثلاثين من العمر أن يرتكب كل هذا السوء في كهلينِ
ينفقان كل دخلهما على حبوبِ الضغطِ
وإبر الأنسولين التي ثقبت بطنيهما
ويجعلُ من واقعهما إفتراضا حزيناً؟

وتساءلت كيف لبطلي نصوصي اللذين
لم يتوقفا يومًا عن العراكِ والطلاقِ والسباب
أن يستقيلا دون أجرٍ معنوي على الأقل
مقابلَ دمائهم الناشفة هنا
لهذا حاولت أن أجعلهما يستردانِ حياتهما الحقيقةِ بعيدًا عن صفحتي هذه

قلت. مؤكدٌ أنهما يشعران بألمٍ شديد كلّما
رطمتهم لايكات الأصدقاء، فكثيرًا ما انتبهت لسحجاتٍ في رأسيهما
وقلت: ربّما يضيق نفسيهما كلما احتمل المنشور أكثر من الظن اللازم..
لهذا اتخذت قرارًا عظيماً:
ونقلت كل أكياس الأدوية الخاصة بهم جانب سريرهما
خزانة الملابس ايضا، تلفازِهما القديم، المصاحف
والمسابح، والكراكيب المجتمعة في علبة ( كل شيء )، وذاكرتهما القصيرة
ولمّا حان دورهما
وبدا أنَّ عملية النقلِ تسير على أكمل وجهٍ
تعطّل الأمر برمته
وتذكرت فجأةً أنّني مقطوع من دفترِ العائلة
وإبن ميتمٍ كان الأبوين فيه شجرتي سروٍ
تلوحان من خلف السور.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

تلك الحياة

غسان زقطان ذاهبٌ كي أَرى كيفَ ماتُوا ذاهبٌ نحوَ ذاكَ الخرابِ ذاهِبٌ ...