أحمد الفلاحي 80%
AI 20%
مقدمة
المطلع على نصوص وكتابات الشاعر اليمني صدام الزيدي يجدها تصف رحلة صعبة في البحث عن الهوية في ظل الحرب والغربة، إذ ينسج الزيدي عالماً غنياً بالرموز والمعاني العميقة. ومع زوبعة التغيير الاجتماعي والسياسي، يعكس شعره صراع الذات مع الواقع المعاش ومتغيراته، حيث يتقاطع الألم والأمل، وتصبح الغربة الذاتية تجربة إنسانية مشحونة بالعاطفة والارتباط. نستعرض في هذه القراءة استخدام صدام الزيدي للرمزية في إبداعه، مستعيناً بعوالم التكرار والخيال، أو ما يسمى بالفنتازيا، التي تساعد في تشكيل تدفق التجربة الشعرية خارج حدود الوعي الذاتي للفرد لاستكشاف مجالات أوسع من الحياة الإنسانية. يتميز شعر صدام الزيدي بعمق رؤيوي لافت يجمع بين التجربة الشخصية والواقع الاجتماعي والسياسي المربك، ويعبر بشكل مؤثر عن العزلة في مواجهة عالم فوضوي. النصوص المرفقة أدناه وغيرها التي اطلعنا عليها تعبر عن هذا الصراع، فهي تقدم صورة غنية عن الوضع الذي يتم فيه البحث باستمرار عن المعنى والانتماء في عالم مشحون بالاضطراب والقلق والتوهان.
1. التعامل مع الزمن والمكان: انزلاق بين الواقعي والفانتازي
في نصوص الزيدي، لا يعمل الزمان والمكان كعناصر محايدة أو أطر سردية تقليدية، بل يصبحان أدوات ديناميكية تكشف عن الحالة الداخلية للشاعر وتخلق مفارقة بين الواقع والخيال. وهذا واضح في نصه «حتى الآن لم يخبرني أحد كيف احترقت مدينة» مقطع أول، حيث يقدم وصف المدينة واقعًا ماديًا ملموسًا ومستقبلًا خارقًا للطبيعة وخيالًا خليطًا من القصص. العبارة: “لقد نشأت من البرية وكانت ملاذاً للعالم” تسلط الضوء على كيف أن المدينة الخارجة من البرية القاسية تمثل، ذات يوم، مكانًا للأمل والازدهار، ولكن سرعان ما تتعرض لخطر قلب هذا الأمر بشكل رائع. يتطور. ويمثل الجسر الشمالي في النص عاملاً رئيسياً في تدمير المدينة، حيث يكشف الشاعر: “انفجر خيط من النار من جسر في جانبه الشمالي”. وهنا يصبح الجسر – الذي غالبا ما يكون رمزا للتواصل والعبور – مصدرا للدمار والعنف، ويكشف عن مفارقات الحياة والموت، والتقدم والانحدار. وفي هذا السياق يقدم الزيدي الزمن باعتباره ثنائية تؤدي إلى وجود مستمر له نهاية حتمية، حيث لا يكون الزمن خطيا فحسب، بل يصبح حالة من الحركة والتداخل المستمر.
وفي النص نفسه، يتحدث الزيدي عن المستقبل، ويضيفه إلى الحاضر بعبارة: “قبل لحظة حاسمة في عام 2027″، هذا المزيج من الحاضر والمستقبل يمنح النص شخصية خيالية، فالشاعر حر في السفر بين العصور المختلفة، مما يوحي بأن التدمير ليس قضية منفصلة بل جزء لا مفر منه من استمرارية الزمن. كما يتجلى استحضار الماضي من خلال شكل الفلاش باك، إذ يشير إلى سقوط القرية قبل خمس سنوات بقوله: “سمعت ذلك في نومي قبل خمس سنوات”. الزمن هنا لا يتدفق بشكل مباشر، بل يتداخل، إذ تصبح أحداث الماضي حقائق حاضرة نتذكرها ونمارسها في الحاضر. ومن الناحية المكانية، فإن قدرة الزيدي على مزج الواقع بالخيال تظهر في قوله: «المدينة/القرية/المكتب/حيث أكون في الجنة صباحاً ومساءً وفوق سماء الليل “، وهنا ينتقل النص من وصف مكان حقيقي إلى وصفه بالجنة، وهو ما يعكس خيالات الحياة الطبيعية، لكنها سرعان ما تتلاشى في الكارثة التي تلت ذلك. فالمكان ليس ثابتا ولا ساكنا، بل يتغير ويتغير بتغير الحالة الذهنية للشاعر، مما يضيف إلى النص عمقاً اضافياً.
كما يستخدم الزيدي تقنيات الخيال الأسطوري في نصوصه ويتجلى ذلك في وصفه لـ “الحصون التي انزلقت توًا من مصنع كبريت“، إذ يتحول المصنع إلى مخبأ أسطوري لـ«إلهة الطوفان»، مما يمنح النص فعلًا أسطوريًا يمنح السرد سياقه، فالفكرة عظيمة. ويصبح هذا المصنع الذي يمثل قوة إنتاجية رمزا للهلاك والدمار الأسطوري، مما يضيف عمقا نوعيا للأحداث التي تتكشف. ومن خلال هذه التقنيات، يوضح الزيدي كيف يمكن للزمان والمكان أن يكونا كيانين متعددي الطبقات، مما يسمح له بالتنقل بين الواقعي والفانتازيا، مما يجعل الزمن هنا ليس مكانا خطياً أو ثابتاً، بل كلاهما عالمان متشابكان يعكسان التشتت والضيق النفسي الذي يعاني منه الشاعر، وهو أمر نجده في أغلب نصوصه.
2. الاغتراب: الذات في مواجهة الآخر
يظهر مفهوم الاغتراب بوضوح في نصوص صدام الزيدي، حيث تتجلى الذات الشاعرة في حالة دائمة من العزلة والتوتر الداخلي، متأرجحة بين الماضي والحاضر، وبين الذات والآخر. يتخذ هذا الاغتراب عدة أبعاد: جغرافيًا، روحيًا، ونفسيًا، ويظهر بشكل قوي في النصوص التي تعكس ضياع الشاعر في عالم لا يمكنه التواصل معه أو الانتماء إليه.
في نص “حتى الآن لم يخبرني أحد كيف احترقت مدينة“، يتحدث الشاعر عن مدينة نشأت من الصحراء وكانت مزارًا للعالم، قبل أن تحل بها الكارثة. هذه المدينة، التي ربما تمثل الوطن أو الذات، تجسد شعور الشاعر بالعزلة والانفصال. الدمار الذي يصفه الشاعر ليس فقط ماديًا، بل هو دمار داخلي يعكس حالة نفسية تتعمق مع الوقت: “خيط نار اندلع من جسر في خاصرتها الشمالية“. هذا الوصف يبرز شعور الذات بالتشتت، حيث يصبح الجسر، الذي من المفترض أن يربط بين أجزاء المكان، رمزًا للتفكك والانفصال.
وتتجلى فكرة الاغتراب بشكل واضح في نصوص صدام الزيدي، حيث تتكشف هوية الشاعر في حالة من العزلة والتوتر الداخلي المستمر، متأرجحاً بين الماضي والحاضر، وبين الذات والآخر. ويتخذ هذا الاغتراب أشكالا عديدة: جغرافية وروحية ونفسية، ويتم التعبير عنه بقوة في النصوص التي تعبر عن خسارة الشاعر في عالم لا يستطيع الارتباط به أو الانتماء إليه. وفي نص “حتى الآن لم يخبرني أحد كيف احترقت مدينة”، يصف الشاعر مدينة نهضت من الصحراء وكانت ملاذاً للعالم، قبل وقوع الكارثة. وهذه المدينة التي قد تمثل مسقط الرأس أو الذات هي تعبير عن مشاعر العزلة والانفصال لدى الشاعر. إن الدمار الذي يصفه الشاعر ليس جسديًا فحسب، بل عميقًا، ويعكس حالة نفسية تتدهور مع مرور الوقت “خيط نار اندلع من جسر في خاصرتها الشمالية”.، ويؤكد هذا الوصف على إحساسه بالتشتت، إذ يصبح الجسر، الذي من المفترض أن يربط بين أجزاء مختلفة من المكان، رمزا للانفصال والانقسام.
يستمر الزيدي في تصوير شعور الاغتراب من خلال العودة إلى القرية التي يصفها بأنها “انهارت في ساعة من فجرٍ قديم“. وهنا يشير الشاعر إلى أن الاغتراب ليس مجرد حالة مؤقتة، بل هو شعور طبيعي يعود إلى الماضي ويحدث في الحاضر، وهو ما يفرض فكرة أن الذات الشاعرة تعيش بثبات في عالم آخر غير عالمها. إن الانهيار الذي يصفه الشاعر ليس مجرد دمار مادي، بل انحلال العلاقة بين الإنسان والمكان، حيث تمتزج الحدود بين القرية والمدينة في صورة غير واضحة تعكس الخسارة. ويتعزز هذا الشعور بالغربة في نصوص أخرى مثل “أحبك يا الشبكة خاصة النت“، حيث يعبر الشاعر عن علاقته الحميمة بالعالم التكنولوجي والرقمي. وهنا يصبح الوسيط رمزا للانفصال عن الواقع والشخص الحقيقي. عبارات مثل “شبكة النت تتحداني“ و” حائط في فيسبوك يتكبر على اغترابة أناملي” تكشف عن الصراع الداخلي الذي يشعر به الشاعر تجاه العالم الرقمي. في حين أن التكنولوجيا يمكن أن تكون وسيلة اتصال، فإنها تصبح هنا حاجزًا يعمق مشاعر العزلة والانفصال.
وهنا يشير الشاعر إلى أن الاغتراب ليس مجرد حالة مؤقتة، بل هو شعور طبيعي يعود إلى الماضي ويحدث في الحاضر، وهو ما يفرض فكرة أن الذات الشاعرة تعيش بثبات في عالم آخر غير عالمها. إن الانهيار الذي يصفه الشاعر ليس مجرد دمار مادي، بل انحلال العلاقة بين الإنسان والمكان، حيث تمتزج الحدود بين القرية والمدينة في صورة غير واضحة تعكس الخسارة.
“أنا يوسف يا أبي“.
لم تعد تلهمني أغنية مارسيل
بل إنني نسيتها تمامًا، كما
نسيت محمود درويش….
كل حيرتي الآن:
من الذي رشّ قطرة الدم
العالقة بقميصي الأحمر الوحيد؟
ولم «أنا» دون غيري من الشعراء؟
وكيف سأقتل الحيّة،
نيابةً عن «قهر» كلكامش
الحيّة التي تطوِّق قريتنا
متخذةً وضعيّة الدائرة
لإخضاع جبل «قاف»،
الحيّة التي سأنحرها بسيفي
بعد 30 ليلةً من إعادة «العبادلة» و »الأدارسة»
إلى الأرشيف الأزرق؟…
يتجلى مفهوم الاغتراب بوضوح في نصوص صدام الزيدي، وخاصة في مقطع “أنا يوسف يا أبي“، حيث يعبر الشاعر عن تجربة الانفصال عن الهوية المعقدة وكشف هويته الخاصة. وفي هذا السياق يظهر الزيدي انخراطه في التراث الشعري العربي من خلال إشاراته إلى مارسيل ومحمود درويش، مما يدل على استلهامه لهؤلاء الكبار البعيدين، وكأن العالم الذي ألهمه قد اختفى، ومن هنا فهو في حالة من الفراغ الروحي. ويقول:“ لم تعد تلهمني أغنية مارسيل بل إنني نسيتها تمامًا، كما نسيت محمود درويش“، ـــ ويعني بذلك اغنية مارسيل خليفة أنا يوسف يا أبي وهي من كلمات الشاعر الفلسطيني محمود درويش ـــ في إشارة إلى شعور الشاعر بفقدان مصادر إلهامه وخيانة حالة انسحابه من شعره. مكشوف. تتعمق حالة الاغتراب مع تكرار الأسئلة التي يطرحها الزيدي: “من الذي رشّ قطرة الدم العالقة بقميصي الأحمر الوحيد؟ ولم «أنا» دون غيري من الشعراء؟“ وهنا تصبح الأسئلة انتقادية لهويته، وتظهر كيف تناول الشاعر الأسئلة حول مكانته في العالم. تحتفي الشاعرة بإحساسها بالعزلة، مما يجعلها تعيد النظر في دورها كفنانة وكشاعرة، وتطرح سؤالا عميقاً حول تفردها ومعاناتها: “لم أنا دون غيري من الشعراء؟“.
كما يظهر الاغتراب بوضوح في صورة «الحية» المحيطة بقريته، والتي تعكس التحديات القاسية التي تواجهها الذات في محيطها. ويستخدم الشاعر الصراع مع هذا “الحية” رمزًا للصعوبة والهزيمة، إذ يصف محاولته “لقتل الحيّة، نيابةً عن قهر كلكامش، هذا التناص مع الأسطورة يحمل دلالات عميقة عن النضال ضد مصاعب الحياة، ويعكس الصراع الوجودي الذي يعيشه الشاعر، حيث يشعر بالعزلة عن نفسه وعن العالم من حوله. ويطرح الزيدي أسئلة وجودية تنطوي على مشاعر الفقدان وعدم اليقين، كاشفا أن الاغتراب لا يقتصر على المجال الجغرافي، بل يمتد ليشمل الهوية النفسية والروحية، مما يجعله تحديا دائما للشعر الذي يواجه الكاتب نفسه بعالمه الذي يعيشه.
وأخيرا، تكشف تجربة الاغتراب في نصوص صدام الزيدي عن عمق الصراع الإنساني، إذ أصبحت هذه الانفعالات جزءا لا يتجزأ من التجربة الشعرية. ويظهر الشاعر كيف يمكن أن يكون الاغتراب حافزا للإبداع، وفي نفس الوقت يخلق حالة من الضياع والبحث المستمر عن الهوية في عالم مليء بالتحديات
3. الرمزية في مواجهة الذات والقدر
تعد كتابات صدام الزيدي الشعرية تعبيرات رمزية عميقة عن صراعه مع القدر، حيث يتناول الشاعر موضوعات الاغتراب والخسارة من خلال استخدام الرمزية القوية والمؤثرة، وإدارة الصراع. وهذه الرموز ليست جمالية فحسب، بل إنها تساعد في بناء التجربة الشعرية والتعبير عن مشاعر الشاعر الشديدة تجاه حياته والبيئة التي يواجهها.
· المدينة كرمز للانتماء والخسارة
في نصه “حتى الآن، لم يخبرني أحد كيف احترقت مدينة” المقطع الأول، تبرز المدينة كرمز للهوية والانتماء المفقودين، وتمثل المدينة التي كانت ملاذًا للعالم ماضيًا غنيًا وحياة مليئة بالأمل. لكنها تصبح رمزًا للخسارة والدمار عندما تتعرض للتدمير، مما يعكس شعور الشاعر العميق بالخسارة. إن عبارة تعبير “خيط نار اندلع من جسر في خاصرتها الشمالية“ ترمز إلى الدمار الذي يتجاوز الجانب المادي ليصل إلى الروح والحواس. وهنا يصبح الجسر، الذي يرمز عادةً إلى التواصل والربط، جزءًا من الدمار، كاشفًا عن الارتباط الذي يشعر به الشاعر بين ذاته وعالمه.
تتسم نصوص صدام الزيدي بعمق الرمزية التي تعكس صراع الذات مع القدر، حيث يتناول الشاعر موضوعات الاغتراب، الفقد، والصراع من خلال استخدام رموز قوية ومؤثرة. هذه الرموز لا تعمل فقط كعناصر جمالية، بل تساهم في تشكيل التجربة الشعرية وتعبر عن المشاعر المعقدة التي يعيشها الشاعر في مواجهة حياته ومحيطه.
· الأسطورة كوسيلة للتعبير عن الصراع الداخلي
يستحضر الزيدي في نصوصه شخصيات أسطورية ورمزية تعكس الصراع بين الذات والقدر، ففي نص “أنا يوسف يا أبي“، يُستخدم اسم يوسف للإشارة إلى الفقد والأمل. يصبح “قميص يوسف“ رمزاً لهوية الشاعر التي يسعى لاستعادتها، ولكنه يشعر بالعجز عن ذلك، وعندما يذكر الزيدي: “وكيف سأقتل الحيّة، نيابةً عن قهر كلكامش“، ليتناول موضوع القهر بشكل عميق. لذا نجده يستخدم رمز الحية للدلالة على الصعوبات والتحديات التي تواجهه، إذ تمثل الحية قوى الشر والظلام التي تُخضع بلدته. من خلال هذا الإشارة، يصبح قتل الحية رمزاً للصراع ضد القوى التي تُعاني منها الذات، وهو عمل يحتاج إلى شجاعة وقوة.
كما يأتي ذكر “العبادلة” و”الأدارسة” ليمثل الأثر التاريخي والثقافي الذي يخوضه الشاعر، حيث يُعيد الزيدي طرح المسائل المتعلقة بالهوية والانتماء من خلال استرجاع الأساطير والتاريخ. هذا الاستخدام للأسطورة يعكس كيف أن الشاعر يجد نفسه في مواجهة قوى أكبر منه، مما يعزز من شعور الاغتراب والتشتت الداخلي. الشاعر هنا ليس فقط يعبر عن هويته كفرد، بل يجسد صراعًا أوسع ضد القدر والمجتمع.
· الحب بوصفه رمز اً للتحدي والأمل
في نص “أحبك يا الشبكة خاصة النت“، نرى الحب مؤطرًا كرمز للأمل في عالم مليء بالعنف والغربة. وكما يصف الشاعر تفاعلاته في العالم الرقمي، يصبح الحب نوعا من الهروب من الواقع القاسي. ويعبر الزيدي عن ذلك بقوله: “أحبك بلا شرطٍ أو قيدٍ”، في إشارة إلى رغبة الشاعر في التحرر من القيود الاجتماعية والمجتمعية، وتعكس هذه الرمزية الصراع المستمر بين الرغبة في التواصل والواقع المنعزل الذي يعيش فيه الشاعر، كما تسلط هذه المفارقة الضوء على كيف يمكن للحب أن يكون قوة للأمل حتى في أوقات المعاناة.
· الموت بوصفه جزءاً من التجربة الإنسانية
تستحضر نصوص صدام الزيدي الموت بوصفه جزءاً لا ينفصل عن التجربة الإنسانية، حيث تتداخل الرموز المرتبطة بالموت مع تفاصيل حياة الشاعر. ففي بعض نصوصه، يتحدث عن “الثقوب السوداء” التي ترمز إلى الفراغ والعدم، مجسدة بذلك الصراع الذي يخوضه الشاعر بين الحياة والموت. الرمزية في هذا السياق لا تشير إلى الموت كنهاية مطلقة، بل كجزء من دورة الحياة الطبيعية، وهي تعكس طريقة تعامل الشاعر المتكررة مع الخسارة والفقد.
ويتجلى مفهوم الموت بوصفه حالة وجودية تلقي بظلالها على الهوية، حيث يتحول “قميص يوسف” وقتل حية كلكامش إلى رمز للخلاص المفقود والهوية المعذبة. وحينما يتساءل الشاعر: “من الذي رشّ قطرة الدم العالقة بقميصي الأحمر الوحيد؟”، فإن الدم هنا ليس مجرد عنصر مادي، بل تجسيد للمعاناة الروحية والألم النفسي العميق الذي يعيشه الشاعر. هذا التساؤل يعبر عن كيف يغمر الموت الهوية في حالة من الحيرة والشك، مؤدياً إلى الشعور بالعزلة والانفصال عن الذات والآخرين.
تُوظف الرمزية بشكلٍ عام في شعر صدام الزيدي كثيمةٍ قوية لفهم الصراعات الداخلية والوجودية التي يمر بها. إنّ الرموز التي يستخدمها، سواء كانت مرتبطة بالمدينة، أو الأسطورة، أو الطبيعة، أو الحب، كلها تعبر عن حالات الاغتراب والفقد، وتحدي القدر. من خلال هذه الرموز، يستطيع الشاعر نقل تجربته الإنسانية المعقدة، مقدماً رؤية عميقة وشاملة للعالم من حوله، ما يجعل من شعره وسيلة فعالة للتعبير عن الذات والصراعات الداخلية.
4. اللغة والشكل: تكرار يعمق المعنى
تُعتبر اللغة والشكل عنصرين أساسيين في بناء النص الشعري لأي شاعر، حيث يجسد استخدام الشاعر للتكرار تقنيةً تعزز المعنى وتغني التجربة الشعرية وهذه التقنية ليست مجرد وسيلة بلاغية فحسب، بل تلعب دوراً مهماً في توصيل الصراعات الداخلية والأفكار الفلسفية التي يعبر عنها الشاعر.
· تكرار الأفعال والمشاعر
في نصوص الزيدي، نجد استخداماً متكرراً للأفعال التي تعكس حالة الشاعر الداخلية. على سبيل المثال، في نصه “حتى الآن لم يخبرني أحد“، تتكرر الأفعال مثل “احترقت”، “انهارت”، و”سمعت“، مما يعكس الوجع المستمر والانفصال عن الواقع. يقول الشاعر: “كيف احترقت مدينة بكاملها“ و”كيف انهارت القرية المنيفة”، وهو تكرار يبرز مشاعر الفقد والحزن. وهذه التكرارات ليست عرضية، بل تحدث كجزء من بنية النص، إذ تساهم في الإحساس بالخطر والسقوط الذي يعاني منه الشاعر.
- الإيقاع الشعري عبر التكرار
يستغل الزيدي التكرار لخلق إيقاع شعري يثري نصوصه ويجعلها أكثر جذباً للقارئ، في النص الذي تناولناه مقطع أول من نص طويل الذي فيه يقول “أحبك يا الشبكة خاصة النت“، يتكرر تعبير “أحبك“، مما يعكس شغف الشاعر ورغبته في التواصل مع الآخر. يقول: “أحبك بلا شرطٍ أو قيدٍ“ و“أحبك يا جزيرة النسيان”، إذ يُستخدم التكرار هنا لتعميق العواطف والتأكيد على أهمية الحب في حياة الشاعر، حتى في ظل الاغتراب الداخلي في وطنه.
· تكرار الصور الرمزية
يعمد الزيدي إلى تكرار الصور الرمزية بوصفها وسيلةً لتعزيز المعنى في نصوصه، فمثلا في نصه “أنا يوسف يا أبي“، يُستخدم “قميص يوسف“ كتعبير عن الهوية والافتقاد، مما يجعله رمزا يتكرر ليعكس الصراع بين الشاعر وذاته. يُصبح القميص تجسيدا للأمل الذي يفتقده، وهو يعكس التوتر بين ما هو شخصي وما هو جماعي. التكرار في الصور الرمزية في نصوص الزيدي عادة ما تُحيل القارئ إلى عمق المشاعر وتضارب المنطق وتخلق رابطة بين الشاعر وقصته.
· التكرار بوصفه وسيلة للتعبير عن التشتت
تتجلى وظيفة التكرار أيضاً في تصوير حالة التشتت والضياع التي يعاني منها الشاعر في نصوصه مثلاً ” نجده يكرر، الحياة الغامضة والإشارة إلى “الشبكة” و”النت”، مما يعكس كيف أن التكنولوجيا، بدلاً من أن تكون وسيلة للتواصل، تصبح مصدراً للإحباط والانفصال. جمل مثل “الشبكة خاصة النت سيئة” و”الشبكة خاصة النت منهكة” تساهم في تعزيز الشعور بالعزلة التي يشعر بها الشاعر.
· التكرار وتحقيق التأثير العاطفي
في نصوص الزيدي، لا يؤدي التكرار إلى تعزيز المعنى فحسب، بل يخلق تأثيرا عاطفيا لدى القارئ، على سبيل المثال، في نهاية بعض نصوصه، كلمات مثل “الغياب”، “العذاب”، و”القهوة” ” تستخدم في سياق تعبير الشاعر عن مشاعره بالوحدة والشوق. يساعد هذا التكرار المدروس على خلق جو شعري يتم فيه التعبير عن المشاعر بشكل مثالي، مما يسمح للقارئ بالشعور بعمق المعاناة والبحث عن الأمل وسط الفوضى.
وتتجلى أهمية التكرار في شعر صدام الزيدي كوسيلة فعالة لتعميق المعاني وإثراء التجربة الشعرية، ومن خلال الاستخدام المتكرر للأفعال والرموز والصور الشعرية، يتمكن الزيدي من خلق نصوص تعبر بدقة عن الصراع الداخلي وتنقل الاغتراب. فاللغة والأسلوب في نصوصه ليسا مجرد أدوات للتعبير، بل تمثل عالما متعدد المعاني والرموز التي تشكل تجربة شعرية فريدة من نوعها..
5. الحرب بوصفها رمزاً للدمار الداخلي والخارجي
ليست الحرب في شعر صدام الزيدي مجرد حدث خارجي، بل هي تجربة مركبة تعكس دمارًا مزدوجًا: داخليًا وخارجيًا. في نصه “حتى الآن لم يخبرني أحد كيف احترقت مدينة“، يرسم الزيدي صورة مشهدية لانهيار مدينة كانت مزدهرة، لكنها تواجه كارثة مدمرة، حيث يبدأ “خيط نار اندلع من جسر في خاصرتها الشمالية“ متحدثاً عن تدمير المدينة. هنا، يصبح الجسر، الذي يرتبط عادةً بالاتصال والتواصل، رمزًا للانفصال والانهيار. تكشف هذه الصورة أن الحرب ليست فقط تدميرًا للمكان، ولكنها أيضًا استعارة للوضع المجزأ الذي يواجهه الشاعر. وكأن الجسر المكسور لم يكن مجرد معلم، بل إنه انهيار جسور التواصل بين الذات والعالم، مما يعمق مشاعر العزلة والاغتراب.
ويواصل الشاعر بناء هذا المشهد الكئيب من خلال تصوير الحصون المتهالكة قائلا: “الحصون التي انزلقت توًا من مصنع كبريت“. وسرعان ما ينهار هذا الحصن الذي كان يمثل الحماية والقوة، كاشفاً عن ضعف النفس في مواجهة أهوال الحرب. وفي هذا السياق، تصبح الحرب أكثر من مجرد مواجهة عسكرية؛ فالقلعة التي كان هو نفسه يظنها حصنا آمنا، لم تكن أكثر من وهم عابر في مواجهة القوة التدميرية للحرب، وهنا نرى الارتباط العميق بين البيئة الخارجية والعقل بين التدمير الداخلي.
في جزء آخر من النص، يظهر الزيدي رمز الحية بقوله: “الحيّة التي تطوِّق قريتنا“، وهي صورة تجمع بين الخطر الخارجي والتطفل الداخلي. والحية، التي تمثل في كثير من الأساطير الشر والخطر، هي هنا رمز للحرب والصراع المستمر الذي يغلف الذات والمجتمع. إن وجود الحية حول القرية يوحي بإحساس دائم بالعض، وكأن الشاعر يعيش في حالة انتظار دائم للخطر. لكن الحية أيضا تحمل معنى أعمق، فهي ليست رمزا للتدمير الخارجي فحسب، بل هي انعكاس للصراع النفسي الداخلي الذي يواجهه الشاعر. ويتجلى هذا الصراع كما لو أنه هو نفسه أصبح مثل قرية محاصرة، غير قادر على تحرير نفسه من هذا الشر الذي يحيط به. وهكذا فإن الحرب في كتابات الزيدي ليست مجرد حدث خارجي، بل هي قوة كامنة تحدد جوانب العالم الداخلي والخارجي. وينقل الزيدي من خلال هذه الصور عمق الألم والدموع التي يشعر بها، حيث تصبح الحرب استعارة حية لصراع المجتمع مع نفسه ومع العالم ونفسه والحياة نفسها. (١)
6. الأمل والإنسانية في خضم الدمار
على الرغم من الدمار والصدمة التي خلفتها الحرب، يُظهر الزيدي أيضًا كيف يمكن للإنسانية أن تمنح الأمل. وفي بعض النصوص نجد أن الشاعر يسعى إلى إيجاد النور في ظلمة الحرب. في نص “وربما: عن حياتي السرية” يحاول الشاعر أن يتجه إلى الداخل ليجد السلام. إنه يشير إلى أنه قد يكون هناك مجال للشفاء والتعافي من آثار الحرب، وأن الحرب، رغم وحشيتها، لا يمكنها أن تطفئ شعلة الإنسان. وفي خضم الكارثة التي تدمر العالم الخارجي والذات الداخلية، يبقى الأمل والإنسانية الشعلتين التوأمين التي لا تنطفئ في شعر صدام الزيدي. ورغم كآبة الصور التي يرسمها للمدن والحصون والاغتراب العميق، إلا أن بوادر الأمل تظهر في كتاباته، حيث تظهر الإنسانية كخيط البقاء الوحيد المتكرر الذي يشكل هوية الشاعر في هذا الدمار.
في نصه “حتى الآن لم يخبرني أحد كيف احترقت مدينة“، نجد أن المشهد المأساوي يبدأ بانهيار المدينة بفعل حرب مدمرة، لكنه لا يخلو من لحظات الإنسانية العميقة. عندما يتحدث الشاعر عن والدته المريضة قائلاً: “تحشرج حنجرة أمي المريضة في البلاد باسمي“، نرى كيف أن علاقة الشاعر بأمه تمنح النص لحظة من الدفء وسط العنف والدمار. الأم هنا ليست مجرد رمز للعائلة أو الحنان، بل هي تجسيد للإنسانية التي تقاوم الموت والخراب. الشاعر، رغم كل ما يحيط به من دمار، يتمسك بهذا الخيط الرفيع من الأمل، عبر علاقته الحميمة بوالدته، التي تمثل رمزًا للحياة نفسها، فهو يطمئنها بأن “في العاشرة من صبيحة الغد ستكون بخير“. هذه العبارة تنطوي على تلميح للأمل في الغد، وكأن الشاعر يريد التأكيد على أن الحياة تستمر رغم كل الصعاب.
كما نرى الزيدي يستخدم الرمزية الدينية والروحية لتعزيز فكرة الأمل، وفي كتاباته عن عدم الاحتفال بعيد الحب كغيره من الناس، يبرز المكان الذي زار فيه الشاعر رابعة العدوية على جبل الزيتون في البصرة. رابعة، شخصية صوفية مشهورة بتعبيراتها عن الحب الإلهي، توضح قيمة الأمل الروحي في مواجهة الدمار المادي: “تسللت عند الظهيرة إلى جبل الزيتون حيث انتظرتني رابعة العدوية عطشانة“، يقول الشاعر، في إشارة إلى العطش الروحي الذي يقاوم المادة والزمنية. يفتح هذا الوضع الصوفي باب الأمل والطمأنينة في وسط عالم هابط، مما يعكس إيمان الشاعر بأن الإنسانية يمكن أن تجد الخلاص في الروحانية والإيمان. ومن خلال استخدام الرموز الدينية والصور الإنسانية، يعبر الزيدي عن الإيمان بأن الإنسان، حتى في أشد لحظات الضعف والانحدار، قادر على استعادة هويته وإيجاد الأمل في مواجهة الدمار في الوسط. ورغم أن هذه الكلمات نادرة في النصوص المليئة باليأس، إلا أنها بمثابة مرتكز للشاعر، تمكنه من المضي قدمًا ومقاومة الوقوع في عنف الحرب والصراع. وهكذا يتبين أن الأمل والإنسانية في شعر صدام الزيدي ليسا مجرد موضوعات فرعية، بل يمثلان جانبا متوازنا بين الدمار واليأس. ومن خلال هذه الصور واللحظات الإنسانية، يحوّل الشاعر معنى الحياة، مؤكدًا أن الإنسانية والأمل يمكن أن يخرجا حتى من أحلك اللحظات وانكسارها.
الحرب في شعر صدام الزيدي هي في المقام الأول رمز للدمار الداخلي والخارجي ومن خلال الاستخدام المؤثر للرمزية والصور، يستكشف الشاعر آثار الحرب على الروح والمكان، ويظهر كيف يمكن للصراع الخارجي أن يدمر الروح والعلاقات الإنسانية. وتعكس كتاباته أعماق التجربة الإنسانية، حيث لا تعد الحرب مجرد حدث، بل هي سياق اجتماعي يعيشه الشاعر في بحثه الدائم عن الأمل والهوية في عالم فوضوي.(٢)
الخاتمة
تمثل كتابات صدام الزيدي الشعرية وجهة نظر غنية للنظر في الهوية الإنسانية في مواجهة التحديات المعقدة التي تفرضها الحروب والاغتراب. ومن خلال استخدام الرمزية والإيقاع والتكرار، تمكن الشاعر من نقل تجارب مكثفة حول الهوية والخسارة والأمل. تأخذنا كتاباته في رحلة عبر الزمان والمكان، حيث يتقاطع الحاضر والماضي، ويفصل الحزن في صورة شعرية تحمل أعماق التجربة الإنسانية. وفي هذا السياق تعكس الحرب كرمز للدمار الداخلي والخارجي الواقع المؤلم الذي يعيشه الشاعر، حيث تعد الحروب أحد الأسباب الرئيسية للعلاقات الاجتماعية وتمزق الهوية. ومع ذلك، يظل الأمل شرارة مضيئة في ظلمات الحرب، حيث يسعى الزيدي إلى إيجاد أماكن يمكن للإنسانية إعادة البناء فيها رغم الألم. ويشكل التفاعل مع الفضاء الرقمي جانبا آخر من تجربة الشاعر، حيث تساهم التكنولوجيا في الشعور بالغربة والهروب. ومع ذلك، تظهر كتاباته أيضًا كيف يمكن للبحث عن التواصل أن يتجاوز الحدود التي فرضتها الحرب والمآسي. عبر هذه القراءة، يتضح أن شعر صدام الزيدي لا يُعتبر مجرد تعبير عن الألم، بل هو دعوة للتفكر والتأمل في حالات الوجود التي يمر بها الفرد. تظل نصوصه شاهدة على قدرة الشعر كوسيلة للتعبير عن الصراع الإنساني، ووسيلة لتجسيد الهوية، وإعادة النظر في معاني الفقد والأمل في عالم مليء بالتحديات.
(١) فقرة من كتابي الشعر اليمني في زمن الحرب قيد النشر
(٢)فقرة من كتابي الشعر اليمني في زمن الحرب قيد النشر
مقطع أول من نص طويل
النص منشور في مجلة نزوى
حتى الآن لم يخبرني أحد
كيف احترقت مدينة بكاملها
نبتت من صحراء وكانت مزارًا
للعالم
قبل أن تحلّ بها الكارثة:
خيط نار اندلع من جسر في خاصرتها الشمالية
وأخذ يجرح الطريق
بمشرط
وعيناي ترقبانه
قبل لحظة حاسمة من العام 2027.
ولم يسألني أحد،
كيف انهارت القرية المنيفة
إجلالًا
تودع شمس الغروب
المدينة/ القرية/ «المصنَعَة/
لي فيها جنة في الصباح
وعند الظهيرة
وفوق ربى الليل.
الحصون التي انزلقت توًا
من «مصنع كبريت»
حيث إلهة الضباب تختبئ
في
أعالي
القبة
الحمراء
انهارت في ساعةٍ
من
فجرٍ
قديم…
سمعت ذلك وأنا نائم
قبل خمس سنوات،
نهضت فزعًا
وبدأت أشقّ طريقًا
-وعِرًا من جبال وارتباكات-
إلى يوتيوب
حيث الباحثون عن طلاسم يدي
في
غفلةٍ
من الأمر.
ذات ليلة قمرية
تحت الشجرة الطيبة
كتبت نصًا
عن «ذَنَب» جنكيز خان،
آخر عقدة في عمودي
الفقري،
الشريحة الكونية
التي
دفنت في الأرض المهجورة
ورافقتني في البئر
إلى
ما شاء الله
إنه يوم «الفالنتاين»
تحشرج حنجرة
أمي
المريضة
في البلاد
باسمي، وهي تقبض بيديها
على أطراف السرير
من شدة الحمى..
هاتفتها ساعة من الليل
ونسيت إخبارها
أنني انتزعت الحمى من صدرها
وفي العاشرة من صبيحة الغد
ستكون بخير
أحدٌ، لم يسألني:
لم ارتديت «قميص يوسف»
البارحة
– قميصي الأحمر الجميل
الذي لا أرتديه إلا مرّةً
في السنة -،
وكيف سيحمله الرسول إلى
عين أمي؟
ومتى تحديدًا؟
أفي أوائل تموز القريب
أم باكرًا في خريف 2028
قبل طقس أخير من الوعد الذي كلما هربت منه
حاربني
على
طريقة أفلام «النينجا»؟…
أيها الهارب من كل شيء:
كيف تفسر هروبك من كتب المتصوفة
التي
غزت
رأسك هذا العام
من تيليجرام،
إلى مكتبة «خزعل الماجدي»؟
– كنت أضع فرمانًا لملاك بجناح مكسور
يجلس بأعلى كتفي الأيمن
وكنت أضع فرمانًا موازيًا،
للشريد
الذي
يتحدث إلى النائمين
في المشارق والمغارب
فيطيرون بضربة حمى
إلى
الفيليبين.
«أنا يوسُفٌ يا أبي»…
لم تعد تلهمني أغنية مارسيل
بل إنني نسيتها تمامًا، كما
نسيت محمود درويش….
كل حيرتي الآن:
من الذي رشّ قطرة الدم
العالقة
بقميصي
الأحمر
الوحيد؟
ولم «أنا» دون غيري
من
الشعراء؟
وكيف سأقتل الحيّة،
نيابةً عن «قهر» كلكامش
الحيّة التي تطوِّق قريتنا
متخذةً وضعيّة الدائرة
لإخضاع جبل «قاف»،
الحيّة التي سأنحرها بسيفي
بعد 30 ليلةً من إعادة «العبادلة» و»الأدارسة»
إلى الأرشيف الأزرق؟…
لا أحتفل بـ 14 فبراير/ شباط
كما يفعل «فسابكة» هنا وهناك
كان في حوزتي وردة واحدة:
تسللت عند الظهيرة
إلى جبل الزيتون في البصرة
حيث انتظرتني «رابعة العدويّة»
عطشانةً
ينز من رقبتها ماء أخضر،
لم تعترض ولم تسأل عن أحوال
العاشقين
اليوم
وقد صار لكل منهم:
صفحة على
فيسبوك/ قناة على يوتيوب/
وصهريج فضّي فوق غيوم فيلادلفيا،
بسرعة الماء، فهمت ما الذي جاء بي
وبلا مقدمات
أنشدنا بصوت واحد وبقلب واحد:
يا الذي في الأعالي
في الشجر والبحر والحجر
وردة وحيدة ليست لسواك
ليس كمثلك شيء
أنت عين المحيط
التي
ذوّبتني
فلم أذُق حزنًا
بعدها،
يا إلهي وسيدي:
يا إلهي وسيدي::
يااا إلاااااهي وسيدي:::
(تصاعد أنفاسي إليك)
ابتهالٌ
عن
الأولين
والآخ
ر
ي