فضاءات الدهشة

يهتم بالكتابة المدهشة..رئيس التحرير أحمد الفلاحي

نصوص

مدينتنا لا تبيع سوى الفل

سالم مهيم

(نصوص- قصيدة حرب):

*كل جيراني نزحوا
19 يونيو 2018

كل جيراني نزحوا
كل أهلي في الحديدة نزحوا
أطفالي يشعرون بالرعب جراء الانفجارات والغارات العنيفة
والمسلحون الذين يجوبون الشوارع
والأطقم وما عليها
الأصغر يبكي يريد أن ننزح
الأكبر لا يخاف أمامي وفي قرارة نفسه يخاف
البنت تشعر بالرعب الفظيع حد الارتعاش والبكاء
الزوجة تطالب بالنزوح إلى صنعاء.
أحاول تشجيعهم
ازاحة القلق قليلا عن قلوبهم
وأنا في الحقيقة أكثرهم قلقا ورعبا
ولكني أتمالك نفسي أمامهم
حتى مدينتنا الصغيرة هناك “الدريهمي” تعيش نفس الرعب
البيوت تهتز
والقلوب ترتجف
والقلق يسري في المفاصل
والأمر لله من قبل ومن بعد.

*ينفلتون من بين أصابعك
20 يونيو 2018:

انفجارات مهولة تكاد تسقط البيوت على وقعها
أزيز طائرات الدرونز لا ينقطع
يسمونها هنا “الونّانة”
تليها مباشرة إما الإف 16
او الأباتشي
ثم انفجار مهول ناتج عنها
أو قصف البوارج
ليلة لم أكن اتوقع
ولا في الأحلام أن أشهد مثيلا لها
لم يدر أبدا في خلدي مثل هذه المشاهد أو الأصوات
توهج الانفجارات من على مقربة لا تبعد أكثر من كيلومتر
ظلام دامس، وحشة تخيم على الشوارع، صمت يكنس الطرقات
فزع يعرش في القلوب
نوم يركض بعيدا عن العيون
قلق يجري في الدم
أصدقاء ينفلتون من بين أصابعك
وينسربون كالسراب
تمضغ الرعب
وتنظر نحو السماء من نافذة يخنقها الظلام
أيتها السماء انقذينا من جنون البشر
الذين قذفوا بالعقل في
البحر العميق.

*مدينتنا لا تبيع سوى الفل
21 يونيو 2018

مدينتنا لا تبيع سوى الفل
والرياحين والورود
تبتسم دائما في وجوه القادمين ولا تعبس إلا نادرا حين تشم رائحة الغدر
مدينتنا تحتضن البحر
ترضعه مودة
وسلام
تفتح قلبها للمتعبين
وتفرش صدرها للغرباء الطيبين
لم أسمع أحداً يقول انها تنكرت له
مدينتنا تصغي للأغاني المدهشة
ولذلك جابر رزق لم يغادرها أبداً
مدينتنا يسكنها مساكين يعملون في البحر
ويحرسها زرانيق يقفزون فوق الجمال ببراعة نادرة
مدينتنا بوتقة
تصهر القادمين إليها
وتلبسهم المقاطب والكوافي البيضاء
فلماذا يجلبون لها الخراب
لماذا ينثرون فوقها البارود والرصاص
لماذا يخنقون في قلبها السلام
هل تستحق
لأنها مفتوحة اليدين
لأنها لا تعرف الأحقاد.

*الأصدقاء وقت الحروب ينسلون من الصداقة

دونَ أن تشعر
يعدونكَ أن يبقوا إلى جوارك
ولا تعلم إلا بعد وقتٍ بفرارهم
يزرعونَ الطمأنينة ثم يحصدونها ليلاً في الظلام
لا تجد أمامكَ الا الدكاكين المغلقة
والبيوت التي يقطنها الصمت
لاتجد أمامكَ إلا نباتات طفيلية
تتسلقُ المخاوف لتمتص رحيق الناس
لا تجد سوى الغربان التي تعتلي المآذن
وحاملي الموت الذين يملؤن فراغ الشوارع
والفقراء الذين لا يجدون ما يحملون عليه أوجاعهم
لا تجد سوى من يتحينون الفرص
لا تجد سوى المحتكرين
لا تجد سوى العجز الذي ينخر قلبك
لا تجد سوى الظلام الذي يفترش الكون والقلوب
لا تجد سوى وجع الروح
سوى هواجس الزوجة التي تحرق قلبها
سوى مخاوف الاطفال التي تطفئ العيون
تفكر في الساسة
في الكهنوت الذي لايفيق
لا يبالي بالطيبين
وابتسامات الأطفال
وأحلام الفقراء
ومغامرات الشعراء
تفكر
متى سنفيق
ما تزال العقول الخاوية تقودنا إلى الهلاك
ما تزال الحرية بعيدة عن ديارنا
وعصر أنوارنا لم يشرق بعد
وكتابنا ألقيناه وراء ظهورنا
واتخذنا القتل شرعة ومنهاجا
أفكر ماذا وراء الهدوء
وهل نحن مقبلون على عاصفة
أحلم أن غدا ربما يكون يوما آخر
أن جيوش الظلام ربما تحرقها شمس النهار
أن الأغنية سترتفع عاليا
أن الأوجاع ستنطفئ
أن الأصدقاء الطيبين سيظهرون
أن الرصاص والمدافع ستخرس
أن طائر الهلاك سيعود إلى أوكاره
أن الحزن سينقشع
أنظر نحو السماء
أغمض عيني…

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *