محمد الحمامصي
فاز الروائي والشاعر الفلسطيني إبراهيم نصرالله بالجائزة العالمية للرواية العربية في دورتها الحادية العاشرة 2018 عن روايته “حرب الكلب الثانية”، حيث أعلنت لجنة تحكيم الجائزة برئاسة الناقد د. إبراهيم السعافين هذا الفوز في حفل أقيم في العاصمة الإماراتية أبوظبي، بحضور أعضاء لجنة التحكيم وحشد واسع من الكتاب والمثقفين والإعلاميين العرب.
والرواية الصادرة عن الدار العربية للعلوم ناشرون تتناول تحوّلات المجتمع والإنسان والواقع بأسلوب يفيد من العجائبية والغرائبية ورواية الخيال العلمي، مع التركيز على تشوهات المجتمع وبروز النزعة التوحشية التي تفضي إلى المتاجرة بأرواح الناس في غياب القيم الخُلُقية والإنسانية. وتركز على الشخصية الرئيسيّة وتحولاتها من معارض إلى متطرف فاسد، وتكشف عن نزعة التوحّش التي تسود المجتمعات والنماذج البشرية واستشراء النزعة المادية، فيغدو كل شيء مباحاً.
وقال نصرالله في الفيلم القصير الذي أنتجته الجائزة العالمية للرواية العربية: إن روايته كُتبت لتحزّ القارئ، لتقلق القارئ، لتجعله أحيانا غير قادر على التنفس. “حرب الكلب الثانية” هي رسالة تحذير، في اعتقادي، مما يمكن أن نصل إليه في المستقبل في ضوء ما عشناه ونعيشه في السنوات الأخيرة.
هذه الرواية من هنا تنطلق، من لحظة ضياع اليقين بمن تساكنه أو يساكنك، هو ذلك الجار أو ذلك الأخ أو ذلك الأب أو أي كان. لذلك تذهب الرواية وتقول إذا ما واصلنا في هذا الطريق، سنصل إلى ذلك المستقبل الذي سنصبح فيه إباديين.
وحول الرواية قال نصرالله: أعتقد أن الرواية فيها محاور كثيرة تمس الإنسان بصورة مباشرة والطبيعة والبيئة، ربما نحن أهملنا كثيرا النظر إلى البيئة والاهتمام الذي تستحقه وعملنا كبشر على تدميرها بصورة رهيبة، للأسف نحن أشبه ما نكون بأناس في طائرة يحدث فيها خلل ما لكن ليس لديهم مظلات، حتى الآن ليس لدينا أي مظلات تؤكد هبوطنا على أي كوكب آخر غير هذا الكوكب، لكن جهنمية ووحشية البشر التي يمارسها الإنسان ضد المختلف عنه وصلت في هذه الرواية إلى ممارسة العنف الشديد أيضا، هي مساحة تأمل فكرية، لا أريد أن أقول فلسفية، لكنها محاولة تأمل للبشر.
وأضاف أن السؤال الذي تطرحه الرواية وأرهقني وأرهق الكثير من القراء، هو: ما الذي يريده الإنسان فعلا؟ أعتقد أنه لم يستطع حتى اليوم أن يتعلم أي درس، فلا الكتب السماوية استطاعت أن تجعله أفضل؟ ولا كتب الحكماء ولا الفلاسفة والشعراء ولا الفنانين، وأحيانا أحس أنه لا توجد لدينا مكتبات على الكرة الأرضية، أنه لم يخلق شعراء ولم يخلق أي فنان، وبالتالي الرواية تذهب إلى هذه المناطق الواسعة ربما لتأملها.
ورأى نصرالله أن الرواية تتحدث عن المستقبل وهي واحدة من الروايات التي لم أستطع الهرب منها وسأعترف أنها كانت قاسية لدرجة أنني لا أتمنى أن أعيد كتابة مثل هذه الرواية أبدا. ربما ما يعوض عن ذلك ليس التعب فقط، ولكن تلك الأزمة التي أدخلتني فيها هذه الرواية، ربما ذلك الاستقرار الذي لمسته من القراء بشكل عام، ومن الطريف أيضا أن كل المواقف التي تأزمت فيها تماما كنت أكتشف أن القراء كانوا يتأزمون فيها مثلي، ربما هذا الدرس الأساسي لنا ككتاب أن “اكتب بكل قلبلك ليقرأك القارئ بكل قلبه لأنك لو كتبت بنص قلب فلن يقرأك أحد”.
وأضاف: “حين تكتب عن شيء، تكتب عن ذلك الشيء الذي لا تستطيع الهرب منه، بمعنى لا بد من مواجهة هذه الأفكار والهواجس، حين كتبت هذه الرواية كنت منشغلا برواية أخرى عن فلسطين لكن قطعت حبل هذه الرواية وعملت على هذه الرواية، لأنه لم يكن بالإمكان أن تؤجل. مع أنني من الناس الذين يخططون كثيرا لكل عمل، وليس هناك عمل بالمطلق كتبته قبل مرور خمس سنوات على التفكير به وكتابة ملاحظات، ووضع ملف خاص به، رغم كل هذا الترتيب إلا أن هناك دائما أعمالا تفاجأني، يعني عندما كنت أحضر كتابي “الكتابة” منذ أشهر كي أنشره، وكنت قد أصدرت رواية “شرفة الهذيان”، وكان هناك سؤال صحفي: هل تعتقد أنك ستكتب روايات أخرى بعنوان “شرفات” بما أنك وضعت كلمة “شرفة”؟ فقلت له أظن أنني سأكتب رواية أو اثنتين، بعد ذلك اكتشفت أنني كتبت 6 روايات، عندما ذهبت لكتابة رواية “زمن الخيول البيضاء” لم يكن في ذهني مطلقا كتابة “الملهاة الفلسطينية”، فالشغل الطويل على رواية “زمن الخيول البيضاء” أثبت لي أن فلسطين أكبر من أن يحيط بها عمل روائي واحد.
ولأني كنت ضد الرباعيات والخماسيات برزت فكرة أن أكتب مجموعة من الروايات المستقلة فنيا تماما عن الأخرى، لذا لا أستطيع أن أجيب عن سؤال هل سأكتب عملا آخر مثل “حرب الكلب الثانية”؟
إن التجديد دائما موجود في رواياتي، لكن هل سأذهب للمستقبل مرة أخرى؟ حقيقة لا أعرف، لأنه دائما هناك أفكار تستجد، وهناك حالات نعيشها وتفاجأنا كثيرا، فكل ما عشناه في السنوات الستة الماضية كان مفاجئا لخيالنا بل هزم خيالنا هزيمة ماحقة، لأننا لم نكن نتصور مطلقا أننا سنصل إلى هذه الحدود، ولا أعرف ما الذي سنراه في المستقبل ويجبرنا على الكتابة مرة أخرى.
وأكد نصرالله أن الأدب العربي الحديث كله أفضل من يمثل الصورة الحقيقية لمجتمعنا العربي وحركة هذا المجتمع على كل المستويات، بل أعتقد أنه التاريخ الفعلي للمجتمع العربي بعيدا عن التاريخ الرسمي الذي أصابه التزوير، التاريخ الرسمي يملك الإذاعة والتليفزيون والكتاب المدرسي والقنوات الفضائية والمؤذن، يملك كل شيء، فقط الشعوب العربية لديها هذا الصوت النقيض المتمرد الذي اسمه الكاتبة/ الكاتب العربي الذي قدم لنا الصورة الفعلية لما نعاني منه ونعيشه، هذا ما أعتقده قيمة الأدب العربي، وربما في الحالة الفلسطينية الحالة مركبة أكثر، فالأدب الفلسطيني لعب الدور الأساسي في تكوين الهوية الفلسطينية بعد تفتتها ولم يلعب أي مجال آخر هذا الدور الذي لعبه الأدب، إنني أعتبره نمطا من الكتاب المقدس الأرضي للشعب الفلسطيني الذي استطاع أن يلملم هذه الروح.
وعندما نتحدث عن الأدب العربي علينا أيضا أن نتذكر ما الذي دفعه الكتاب العرب، أحيانا من القتل وأخرى السجن والمنع من العمل والمنع من السفر، وكل ذلك يدعونا لتوجيه التحية لهؤلاء الشجعان الذين لم يصمتوا مطلقا حينما كان يجب أن يصمت الجميع.
ولفت نصرالله أن “حرب الكلب الثانية” ليست عن العالم العربي فقط، وقال “الرواية عن الإنسان وعن هذا الكوكب، ولذلك عمدت على أن لا أطلق اسما على البلد أو المدينة التي تدور فيها أحداث الرواية، لأنني أرى أن ما يدور هو أوسع من أي بقعة يمكن أن يلصق بها هذا الخراب الشامل، حقيقة ما أقلقني فعلا حين كتبت هذه الرواية ما عشناه كلنا وليس ما عشته أنا فقط، أننا وصلنا إلى مرحلة من المراحل: لم تعد قادرا على أن تعرف أن هذا الذي يسكن معك في عمارة واحدة وأبواب متقابلة هل سيكون قاتلك في اليوم التالي أم سيدافع عنك إذا تعرضت إلى أي خطر؟
ما يؤرقني أنه لم يعد الناس قادرين على قبول المختلف أبدا، حتى بعض الأحداث الكبرى التي عشناها ونحن لم نكن في داخلها مثل ما حدث في سوريا كان مجرد طرح رأي، وقد كتبت حيال الحرب في سوريا “كلما حاول أحدهم طرح رأيا فيها فتح جبهة جديدة”، نحن أصبحنا فعلا مثل القنابل الموقوتة ولكن لا نعرف متى يمكن أن تنفجر.
في الرواية مثلا، في إحدى القرى المصرية في صلاة الجمعة جاءت عائلة فوجدت أن عائلة أخرى قد أخذت الصف الأول، وهي صلاة، بسبب من يكون بالصف الأول حدث هناك قتلى، هناك شيء جنوني في البشر أصبح مؤرقا لي وصعبا عليّ أن أفهمه بالطريقة التي اعتدت أن أشغل بها عقلي، ولذلك أنا وصلت فعلا في هذه الرواية إلى أقاصي الجنون، صحيح أنني استخدمت عقلي لأصل إلى هذا الجنون ولكن حين تكتب مثل هذه الرواية فعلا عليك أن تصل إلى أقصى الجنون، وصلت في فترة أنني لم أكن أعرف أن أتنفس، لأني فعلا لا أستطيع التنفس، أكتب ثم أذهب إلى الشباك وأفتحه لأتنفس ثم أعود لأستكمال الكتابة.
نحن نعيش حالة صعبة، من الصعب أن تتعامل معها وكأنك تغطيها بطبقة مكياج خفيف أو ثقيل، هناك داء وتوغل في داخلنا وعلينا أن نقرأه بجرأة شديدة، نواجه أنفسنا ونواجه قراءنا، هناك خطر كبير يهدد بزوالنا، فقط دع السلاح في يد البشر ثم انظر ماذا يفعلون، شيء مرعب، الإنسان بالنسبة لي هو الكائن المرعب الأكبر على وجه الكرة الأرضية على الرغم من أنه ينبغي أن يكون الأجمل والأروع والأكثر عقلا.
إبراهيم نصر الله من مواليد عمان عام 1954 من أبوين فلسطينيين اقتُلعا من أرضهما عام 1948، عاش طفولته وشبابه في مخيم الوحدات للاجئين الفلسطينيين في عمّان٬ الأردن. بدأ حياته العملية معلما في المملكة العربية السعودية، عاد إلى عمّان وعمل في الصحافة، ومؤسسة عبدالحميد شومان، وتفرغ للكتابة عام 2006. أشرف نصرالله على دورتين من الندوة (ورشة إبداع) التي تنظمها الجائزة سنويا للكتاب الشباب الواعدين، في عامي 2014 و2016.
تُرجمت أربعة من رواياته وديوان شعر إلى اللغة الإنجليزية، منها “زمن الخيول البيضاء” المرشحة للجائزة العالمية للرواية العربية عام 2009 و”قناديل ملك الجليل” المرشحة للقائمة الطويلة عام 2013. وفي مقال عن رواية “زمن الخيول البيضاء” كتبت في العام 2012، أشادت صحيفة النيو ستيتسمان البريطانية بـ “صوت نصرالله الذي يلقي الضوء على حيوات المهمشين”.
وبهذا الفوز، تعتبر رواية “حرب الكلب الثانية” أفضل عمل روائي نُشر خلال الإثني عشر شهراً الماضية، وجرى اختيارها من بين 124 رواية مرشحة تمثل 14 بلداً عربياً. وفيما يلي أسماء لجنة التحكيم لعام 2018: الأكاديمي والناقد والشاعر والروائي والمسرحي الأردني إبراهيم السعافين، رئيساً، مع عضوية كل من: الأكاديمية والمترجمة والروائية والشاعرة الجزائرية إنعام بيوض، والكاتبة والمترجمة السلوفينية باربرا سكوبيتس، والروائي والقاص الفلسطيني محمود شقير، والكاتب والروائي السوداني – إنجليزي جمال محجوب.
___________________
*ميدل ايست أونلاين