الرئيسية / شعر عمودي / حَفرٌ في جوف المدى

حَفرٌ في جوف المدى

فيصل البريهي

ماذا؟!! وينفتحُ البابُ الذي انغلقا
ويوقظُُ الوهمُ في أحداقِنا الأرَقا

والليلُ يمطرُنا شوقاً ويزرعُنا
شوكاً… يُخنجِرُ في أحشائِنا الغسقا

هذا المساءُ الذي استرخى كطاغيةٍ
سَدَّتْ ذراعاهُ في وجهِ الرُّؤى الأُفُقا

يحمرُّ في مُلتقاهُ وجهُ كلِّ ضحىً
في إثْرِ كلِّ اقترانٍ مُطلعاً شَفَقا

لا الصبحُ يُدركُ أسرارَ الغروبِ ولا
عينُ المغيبِ ترى الصُّبحَ الذي انفلقا

** ** **

ماذا؟!! وتمتدُّ خلفَ التَّيهِ أسئلةٌ
عمياءُ فيها لسانُ الليلِ قد بَصَقا

حالُ التَّساؤُلِ يبدو حالَ منكفئٍ
في شاهقٍ كلَّما مَدَّ الخُطى انزلقا

كلُّ العلاماتِ ما زالت مُراهقةً
أعيت مفاهيمُها الإعياءَ والرَّهَقا

يا أنت والشَّمسُ في عينيكَ قد ذبُلتْ
أسرارُها…والدُّجى يستوطن الحَدَقا

ها أنت تستنفرُ الأطيافَ مُتَّخذاً
من كلِّ طيفٍ براقاً ظلَّ منطلقا

أراكَ تعبرُ أمواجَ الظَّلامِ إلى
مرافئ الضَّوءِ طَرْفاً يعشقُ الألَقا

** ** **

هذا الذي كانت الآفاقُ جائعةً
مِن حَولهِ…وهو لم يسدُدْ لها رَمَقا

ألقتْ عليهِ الليالي من برازِخها
ما يمنعُ الخطْوَ مِن أن تهضمَ الطُّرقا

لكنّهُ ظلّ مشدودَ الفؤادِ إلى
أن شقَّ بالحرفِ في جوفِ المدى نفقا

ومن هُنا مرَّ ضوئيَّ الجبين وما
أحنى لوجهِ الدُّجى رأساً ولا عُنقا

ولم يزل حاملاً في كلِّ جارحةٍ
روضاً من الحب غضّاً وارفاً غَدِقا

ينساب مثل النسيم العذب رائحةً
تُضمّخُ الكونَ عطراً ناضحاً عَبِقا

** ** **

يا آخر الَّليلِ قُل لِّلصبحِ إنَّ فمي
منذُ افترقنا بغيرِ الضَّوءِ ما نَطَقا

كلُّ المداراتِ لم تشهد بها لغتي
حرفاً تسامى إلى أفلاكِها ورقى

مِن تَمْتَماتِ الأماني في دمي انبثقتْ
هذي الأغاني…ومنها حزنيَ انبثقا

تأكسَدَتْ في رئاتِ الشِّعرِ أوردتي
لمّا تنفّس منها الشِّعرُ وانتشقا

مازال في صدرها نبضاً..وما برحت
قلباً لهُ بسوى الآلام ما خفقا

** ** **

يا للمعاناةِ كم أروَتْ وكم شرِبتْ
من مستهامٍ سقتْهُ بالمنى وسقى

لكنّها كوجوهِ العصر ما عرفَتْ
بشاشةً…أو تندّت مرَّةً عرقا

مثل السياسة كم أغرت موائدُها
من أنفسٍ…وتلظّتْ مهجةٌ شبقا

** ** **

تلكَ الرياحُ التي في النفس عاصفةٌ
منها الأماني تلاشت في دمي غرقا

مالي وما للأماني الظامئات؟!…فكم
ألْظتْ فؤادي بنار الوجد فاحترقا

كم لي أناجي ربيع الحب في ولهٍ
يكسو غصون الهوى والزهر والورقا

لكنَّ وهماً كذوباً ما عهدتُ لهُ
عهداً وفياً ولا ديناً ولا خُلقا

ما كان أجهلني عنهُ وأجهلهُ
إذْ لم أثِقْ فيهِ حسباناً كما وثِقا

أغتالَ ظنّي بصدقٍ كنتُ أُضمرُهُ
كذباً…فيا ليت ذاك الظنَّ ما صدقا

آنستُهُ والأماني البيض نائمةٌ…
والليل في كلِّ عينٍ…مُوقظاً فَلَقا

والحلم يركض خلف الوهم مُلتقطاً
أنفاسهُ مِلء صدرٍ بالأسى اختنقا

لكنّني وشفاهُ الصبح موغلةٌ
في خاطر الليل…مهَّدتُ الرؤى نسقا

وها أنا في خِضَمِّ الليل مقتحمٌ
أعتى الأعاصير للأخطار مخترقا

حتى اغتصبتُ النجومَ البكر مستلباً
أضواءَها…ثم شكّلتُ المنى فِرقا

أبحرتُ رغم احتشاد الليل مقتصداً
مرافئ الضوء…لا خوفاً ولا قلقا

يمَّمتُ نحو الضحى قلبي وجئتُ بهِ
ديناً… بهِ قد أدان القلب واعتنقا.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

فناجينُ الأحزان

بديع الزمان السلطان/ اليمن   كاليَاءِ أكتُبُني كالميمِ والنُّوْنِ!! كنكهةِ البُّنِّ تجري ...