مصطفى أبومسلم 

أريد أن أتحدث مع النيل قليلاً

دون أن يُفسدَ صيادٌ هدوء الماء بسنارته 

تصطاده الخلايا السرطانية من قلوب أبنائه

ويموت وحيداً في دارٍ للمسنين 

أو دون أن تهمس فتاة عابرة في أذن صديقتها :

خانه القدر

ستهجره خطيبته بعد شهرين على الأكثر 

فأمها تطالبه بشقة دوبلكس و”air condition ” مركزي

و جاكوزي وأرضيات بورسلين 

وهو مجرد محاسب يهذب الأرقام في سجلات الحكومه ويمنحها قليلاً من الأهمية 

أريد ألا تزعجني سارينة سيارة الشرطي الذي هجرته زوجته لجهله بالقبلة وفن التودد

فصار عدوانياً للغاية

أو أن يلح علي أحد الباعة بشراءِ ورده البلاستيكي لأهديه لحبيبتي 

ولو كان لي حبيبة لأخترت أن أجلس أنا وهي على ضفة النيل نؤرجح المياه بأقدامنا 

تركب أمامي على الدراجة

ويطوّق شعرها رقبتي

 لتصير رأسها بالقرب من صدري فأتنفسها

أريد أن أجلس مع النيل

دون أن تشوه إعلانات “الكوردون بلو” و”الماكس جريل” حيزي البصري

فأنا في أغلب الأحيان لا أمتلك ثمن ساندوتش الفول أو الفلافل 

وطبق الكشري بالكبده بالنسبة إلي وليمة فاخره 

أريد أن أنظر إلى السماء دون أن تتلوث عيناي بالكتل الإسمنتيه المشوهه

أريد أن أستمع لصوت الطبيعه حين ترد الملائكة السلام على كروان عابر في سماء الليل

دون أن يصم أذني صوت إختراق طائرةٍ حربيةٍ لحاجز الصوت

لا أعلم كيف يدربون الطيارين على قطف الأرواح وقصف البيوت 

ولا يعلمونهم كيف يزرعون شجره؟

العالم يغرز مخالبه في أجسادنا دون رحمةٍ

لذا فيا أصدقائي الطيبين فقط 

كونوا وحوشاً ضاريةً وجبارين ومفسدين في الأرض

نكّلوا بهذا العالم 

إصنعوا مأساةً تتحدث عنها الأجيال القادمة في كتبِ التاريخ وقصائد الشعراء 

وبالتماثيل واللوح الزيتية 

ويتكلم عنها الناجون بجوار نصبها التذكاري

ولا تنسوا أن تتركوا إرثاً من الشعاراتِ

لترفعه مسيراتٌ مؤيدةٌ تخليداً لذكراكم

أبدعوا في إبتكار الدمار 

قفوا بجوار الورد في مواجهة تيارات الرياح والفياضانات والجفاف 

علموا الأطفال عزف البيانو وتخريب مصانع الأسلحة

أعطوا طفلةً قلماً وكراسة رسم

وإنظروا للعالم في عينيها

سترونه بيتاً لا تطل نوافذه على إعدامات ميدانية

وحديقةٌ بها وردةٌ كبيرة لا تُصنع بها المفخخات

وسماءاً خاليةً من دخان قش الأرز

والأمطار الحامضيه 

و رجلاً وسيدةً

يعرفون معنى الإحتواء

عالمٌ لا مكان فيه إلا للقصيدة.