فضاءات الدهشة

يهتم بالكتابة المدهشة..رئيس التحرير أحمد الفلاحي

كتابات

عبدالملك العيزري زعيم الإعلام اليمني

محمد شنب

عبدالملك العيزري صوت الشعب والاغتيالات
عيزري صوت الأدب والفكر والسياسة فبلادنا الحبيبة كل دروبها شوك عبدالملك العيزري زعيم الإعلام اليمني..على ذلك.
لم يمت العيزري بسبب ويلات كصخور صلبة قامت بسد شرايين قلبه وإنما كانت الحاجة إلى كبسولة دواء لم تتوفر، وتسديد فاتورة الهواء والماء في شقته البسيطة أكثر فتكا فقد خذلوه حيا يافعا وباعوه في أشد ضعفه، باعوه لأنه وطني باعوه لأنه صوت الشعب، ومن يصدح بشعائر الصدق؛ ينبذ من نفس الصومعة التي يعتليها.
مات آخر صوت وطني حمل في أحبال صوته ضمير شعب بمشاعر صادقة لأنه لم يأكل السحت.. باعوه خوفا على كشف دناءتهم في زمن يباع فيه المواطن والوطنيون حتى لو سبب ذلك دمار الشعب بما فيه من حب وسلام ليبقى الكره والحرب.
العيزري صوت الزمان والمكان والوطن فهو صاحب القلب المحب للأرض والإنسان، ذو مشاعر أرق من أشعة الشمس عند الغروب وهي تودع ما تبقى لها من الوقت، هو الصوت الحقيقي الوطني الذي عمل بإخلاص لن ينسى الشعب اليمني ذلك الصوت الحزين المجروح باغتيال رئيس اليمن الحديث الحقيقي إبراهيم الحمدي الذي رثته العصافير قبل الأطفال والصغار قبل الكبار.
في ذاكرة كل اليمنين خبر اغتيال الحمدي الذي قام بنقله للشعب اليمني الكريم من إذاعة صنعاء في 11 أكتوبر 1977م وفي حنجرته ملح الغدر والخيانة يتجرعه وهو ينقل على مسامع اليمنيين فاجعة لم يتعرض الشعب اليمني طيلة قرن من الزمان بل ملايين القرون لفجيعة كفجيعة اغتيال الحمدي فقد كان الحمدي لليمنيين بمثابة الفردوس والعصر الذهبي في تاريخ اليمن.. ومن ذلك الحين والعيزري بمثابة وطن مغدور ومطعون حتى توفي وهو لا يزال خاشعا متصدعا من وطنيته التي فتكت بقلبه، فلم يعد ينفع مشرط الجراحة ولا أكسجين صناعي مادام أنه فقد الأكسجين الحقيقي والطببعي وهو الحمدي!!
كل الشعب اليمني بعد رحيل الحمدي يعيش عنادا بلا أكسجين! والأكثر قسوة وضع الوطن العربي واليمن وآخرها أحداث ديسمبر من هذا العام، فهو الذي عاش الاغتيالات وأذاع بها للشعب ليقول لنا: لقد عشتها في السابق ولا أريد أن أعيش لأشهد على أروح الأبرياء والمغدورين في وضح النهار؛ ليعمل على تضييق الشرايين وكتمان الأكسجين المتبقي من شعيرات الذكريات ليقول لنا إلى هنا وأختم حياتي باغتيال آخر، وواصلوا مسيرة صوت الحق لا صوت الضلال والنفاق الكريه والمكروه.. أما نحن فنقول له: رحلت يا صوت الوطن ومات الوطن المسروق من الخارطة..
عيزري الصوت النظيف الذي يشع نورا ودفئا وتعايشا وقناعة بعيدة الوصف والتوصيف.
عاش صوتا لا يشيخ في سراديب الذاكرة اليمنية التي فقدت وهجا ساطعا بالنور ليحل الظلام وكان أول برنامج أعده وقدمه هو برنامج (أوراق ملونه) عام 1971م منذ بداية التحاقه بإذعة صنعاء وذلك البرنامج الشيق الجميل الذي لازال باقيا في مسامع كل اليمنين.
وأعد برنامج (لو كنت) و (قضية في حوار).
و(كشكول الأسبوع) الذي يعده عبدالله الحيفي تقديم عبدالملك العيزري وأمة العليم السوسوة وهو برنامج اجتماعي ثقافي بقالب لغة شاعرية، كان يحاكي الحاجة والفقر الذي يعانيه الموظف الحكومي في إحدى حلقاته الفتاة التي كانت تتمنى أن تتزوج رجلا غنيا حتى يساعد والدها الفقير.
والأكثر غرابة وبشاعة أن المؤسسات الإعلامية والوزارات التي تجاهلت كل من عمل من أجل الوطنية وتركته يهمش ويموت والغريب أن بعض الذين يمسكون مناصب حكومية ووزارات تتلمذوا على كبار اساتذتهم لكنهم لم يقوموا بزيارة لهم ولو برسالة، فهناك الكثير من الإعلامين متقاعدون لم ينتبه إليهم أحد فهم تحت سكاكين الفقر والحاجة.
أنا لم أعرف العيزري ولم التق به ولكنني عرفته وسمعته من خلال صوته وأعماله التي كانت في إذاعة صنعاء منذ كنت طفلا وذلك الصوت الذي كان يشع من مذياع والدي لازال عالقا في الذاكرة رغم الاغتيالات والحرب كان صوته يحمل لنا وطن السلام والحب.
تكلم عن ميلاد الوحدة اليمنية المجيدة عام 1999م تحت شعار واحد وقلب واحد لا يموت.

تقمص كل الأدوار الدرامية والإذاعية وقدم البرامج الدينية من ابتهالات وغيرها وقد ساعده في هذا إحساسه الشفاف وخاماته الصوتيه النادرة فهو متذوق من العيار الثقيل للمواد التي كان يقدمها للمستمعين الكرام..
كما قدم العديد من البرامج الإذاعية والتلفزيونية الأخرى أهمها برنامج (مجلة الفكر والأدب) التي كان يصدرها الشاعر اليمني الكبير عبدالله البردوني المتوفي عام 1999م وحيث كان يتم في نهاية الحلقة عرض مقاطع موسيقية للموسيقار محمد عبد الوهاب من أغنية (النهر الخالد) وغيرها.
وبرنامج (وقفات مع لحظات الزمن الخالدة) الذي يجسد شخصياتها عبد الملك العيزري حيث بداية الحلقة صوت العيزري وهو يلقي قصيدة الشاعر الراحل الحر الأبي محمد محمود الزبيري “يوم من الدهر لم تصنع أشعته شمس الضحى بل صنعناه بأيدينا..” وكان التايتل للعمل الصوت الباقي في جدارية الذاكرة عايدة سليمان الشرجبي، والبرنامج بمثابة عمل توثيقي في تأريخ اليمن السياسي والثوري الأدبي ومرحلة من مراحل الوطن الحبيب المهمة لمن يريد المعرفة البسيطة على تاريخ اليمن.
تقلد العيزري العديد من المناصب الإعلامية منها مدير إدارة المكتبات ثم رئيسا لقسم المذيعين عام 1974م وهو في نفس العام الذي التحق به محمد علي الشرفي الذي أصبح من أهم المذيعين في إذاعة صنعاء حاليا وله علاقة مع العيزري الذي تعلم من هذا الصوت العزة والشموخ والوطنية التي لا تنطق إلا باسم الشعب لا باسم فئة معينة عاشقة للزيف والتزلف والكذب والنفاق، ومحمد الشرفي يعلم ويدري كيف كانت حياة أستاذه العملاق العيزري وهو سوف يسير كما سار الذين سبقوه بشرف وعزة وشموخ كعرش (بران) العظيم..
العيزري قدم الكلمة الطيبة والمودة والحب لكل أذن يمنية تقف احتراما لهذا الصوت فقد كان محمد الشرفي من المعجبين بصوت العيزري وهكذا كان العيزري من المعجبين بصوت محمد الشرفي ويحب سماعه.. ولأن العيزري من جيل الرواد الإذاعيين في اليمن فقد تميز بقدرات إبداعية في تقمص الشخصيات الدرامية التاريخية في التراث والأدب الشعري فهو من متذوقي الشعر ومبدعي إلقائه فهو معلم وفنان في مجالاته المتعددة ومواهبة المتنوعة فهو معلم في فن الإلقاء من حيث تحكمه بنبراته الصوتية ومخارج الحروف وتذوقه لكل حرف من حروف اللغة العربية الفصيحة، يمر محملا بالعطر والياسمين والسكينة.
عيزري الحب والجمال مسيرة جيل من الزمان في إذاعة صنعاء، فقد كان يجلس في الإذاعة أكثر من جلوسه في منزله.. فقد وهب بصره وبصيرته وقلبه من أجل العمل الوطني، بتعامله الرحب شكل جسرا من الورد بينه وبين كل الزملاء والزميلات والمتدربين في الإذاعة ومع المستمعين الذين عرفوا صوته فقط؛ فهو يشكل عصرا من عصور الإعلام اليمني في إذاعة صنعاء، إذاعة كل اليمنين وأتمنى من الإذاعة المحافظة على رونقها النصي والمواد التي تغذي بها الثقافة والفنون؛ حتى نرتقي بالمستمعين حيث أننا نمر بمرحلة هي أخطر مرحلة في التاريخ اليمني، لم تمر بها البلاد ولا حتى إذاعة صنعاء نريد التنوع والتعدد في كل المواد المقدمة من حسن اختيار البرامج والأغاني وتحري الحقيقة وتجنب المصطنع المعلب الواهي من الكلام والعاري من المصداقية..
ومن انجازات عيزري الحب والشموخ رغم المرض والحاجة ورغم القلب المفتوح وتكدس وضيق الشرايين إلا أنه مات عزيزا غصبا عن آكلي الأوراق المالية؛ فهو درْب من دروب الأبطال الذي يسير عليه وتحت نوره من شاطره الهم الوطني وفكرة الحرية والارتقاء بذائقة الشعب الوطنية والأدبية، وهو مدرب الكثير الآن في الإذاعة وبعض الوزارات والمؤسسات والأفراد الذين أنشأهم بفكره وسهر من أجلهم وتعب -مع الأسف الشديد- لم يردوا له بعض الجميل ولو بزيارة للاطمئنان عليه.. فلم يذكروه بالحب والدعاء حتى!! لقد أنستهم الحروب وخافوا على مناصبهم فغضوا الطرف عن أداء واجبهم الحقيقي.
من منجزاته الهدوء، والهدوء هو سر نجاح المذيع في دخول أنسجة قلوب المستمعين، وفعلا رحل بهدوء رغم صخب المرض الذي ألم به، رغم لعلعة الحاجات مع نفس كريمة وعزيزة كنفس العيزري!
والمؤسف أن العيزري لم يكن الأول ولن يكون الأخير الذي عانى وسيعاني معاناة هذا الشعب.. فهناك الكثير من إعلاميي اليمن حاليا يعانون كما عانى وقد تكون معاناتهم أشد فتكا!
واحذر هنا وزارة الإعلام بألا تتجاهل، وأن تتحلى بالضمير والوفاء ولا تكون ناسية هي ايضا!!
من وجدان الشعب نفسه:
كم ظلمتم من مبدعي هذا الوطن!! إلى متى وهذا الشعب يموت فقرا وجوعا واضطهادا يا وزارة الإذاعة والتلفزيون التفتوا إلى هذه الوطنية المتمثلة في المذيعين المتقاعدين في ظروف قطع الراتب، هناك أرواح راقدة على فراش المرض تحت سقف يكاد أن يسقط عليهم مرضا وجوعا وخوفا.. حافضوا على ثروة شعب كريم.
العظماء يرحلون في زمن الخذلان والانحطاط والصراعات النفسية والشخصية.
رحل بهدوء وخشوع العظماء في 2017/12/19م في العاصمة صنعاء وبه ودعت صنعاء القديمة بابا ثامنا لها كان يقيها البرد في شهر ديسمبر الحزين.. صنعاء التي عانقت وجها طموحا في سن الشباب وها هي اليوم تبكيه نوافذها المعتقة بالزجاج الملون وطينها البخوري.. صنعاء اليوم تودع صوتها الذي لا زال يسكن (شريط ممغنط) تتسلل إليه الأتربة والنسيان فقد عرفنا مبدعينا بالنسيان دائما.
ميكرفون صنعاء يستحي من إرسال ذبذات صوتك من جديد فقد خذلك حيا وميتا.

عيزري الخلود الوداع الحزين إلى رحمة ربي التي وسعت كل شيء رحمة الله ولا رحمة البشر.

التعينات:
صوت الاغتيالات صوت الوطن.. منذ خبر اغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي في 11 أكتوبر 1977م.
روح وطنية شريفة صوت برائحة البن اليمني طيلة نصف قرن.
صوت يتغلغل داخل النص المقروء ويعيش اللحظة الأبدية الأخيرة.
من صوته يهذب النفس صوت بحجم وطن كان معلما وطنيا من ميكرفون إذاعة صنعاء فمن خلال صوته تربت أجيال طيلة خمسين عاما فقد قدم وأعد في كثير من الأعمال الإذاعية والدرامية مثل (شاعر من اليمن) وغيرها.
صوت جسد الموروث الثقافي الأدبي والسياسي و التاريخي حتى الروح الأخيرة.
صوت الوطن الحزين من مواليد محافظة ذمار مديرية ضوران عام 1949م بداية غسل الجهل في المعلامة أو الكتاتيب كما كانت تسود في تلك الحقبة الزمنية في تاريخ اليمن الذي كان مشطورا إلى نصفين: تحت حكم الإمامة في الشمال وحكم الاستعمار في الجنوب إلا أنه تعلم ذاتيا وسطع بسرعة الضوء الطيفي.
وقد تميز بخامات صوتية جميلة فيها الدفء والروحانية والتصوف حيث تميز بأدائه البسيط العميق باللغة الفصحى واللكنة التي تضيف مذاقا جميلا في الأداء فقد كان يكلف في لجنة اختبار المذيعين من ناحية الصوت واللغة، انتقل عام 1997م للعمل في تلفزيون القناة الأولى، حيث عمل مصححا لغويا وإخباريا ومشرفا في لجنة تقييم المذيعين.

أعمال خالدة
(مجلة الفكر والأدب)
يصدره عبدالله البردوني يقدمه عبد الملك العيزري.
(وقفات مع لحظات الزمن الخالدة)
يجسد شخصياتها عبد الملك العيزري.
( كشكول الأسبوع)
من إعداد عبدالله الحيفي تقديم عبدالملك العيزري وأمة العليم السوسوة.
(أوراق ملونة)
(لو كنت)
(قضية في حوار).

2017/12/19م

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *