فضاءات الدهشة،،
صدر حديثًا عن النادي الأدبي الثقافي بنجران عبر مؤسسة أروقة للدراسات والترجمة والنشر في القاهرة، في إطار التعاون بينهما، كتاب “حوارية العتمة والضوء” ضمن سلسلة الترجمة، وهو ترجمة وقراءة نقدية لمختارات من الشعر العالمي للمترجم حسن مشهور.
يتضمن الكتاب قصائد مُختارة لشعراء عالميين من بينهم “دانتي أليجيري”، والشاعر الفرنسي الحائز على جائزة نوبل للآداب “سان جون بيرس”، والشاعر الإسباني “لوركا”، و”شيللر”، و”لامارتين”.
مستعرضًا لمحة سيرية لكلٍ منهم بالإضافة إلى قراءة نقدية تحليلية لقصائد كل شاعر مع إشارة إلى المذهب أو المدرسة التي ينتمي إليها والموضوعات والتقنيات الشعرية الموظفة في قصائده.
ولأن لكل شاعر سماته الخاصة التي تميز كتاباته، فقد تنوعت القصائد التي يحتويها الكتاب ليس في خصائصها فحسب بل في عاطفة الشعراء في قصائدهم.. فـبيرس، الذي حمل رؤية فلسفية تقوم على فكرة أن الإنسان بتشييده للمنشآت العمرانية الضخمة إنما كان ينشد الحرية والانعتاق من قيوده كافة، يقول في قصيدته “أنثى تساكن الكهّان”:
“ما أحلى العيش حرًا
في الأعالي
وفي دهاليز البحر
ومنعرجاته
ولتذهب الأرض
بمنحدراتها وعطرها الطيني
الآسن وناسها العاديين
للنسيان”.
هنا يتحرر بيرس من كل ما يثقله ويتطلع إلى الانعتاق من جميع القيود حتى قوانين الطبيعة نفسها، وقد شاركه “دانتي أليجيري” في ذلك العشق للحرية مناديًا بمبادئ العدالة والحرية إلى أن حدثت نكبته حين انتصر القويلف المتحالفون مع النظام البابوي على دانتي ورفاقه فأُهدر دمه واضطر لدفع ثمن تمسكه بمبادئه فكتب ثلاثيته الخالدة “الكوميديا الإلهية” التي يأتي أحد أجزائها (الجحيم) محمومًا بالحزن والألم فيقول:
“ياله من رعب
قد زلزل أركان الأرض
عند الغسق
كلما ذكرته
يجللني العرق
من هول ما رأيت
من رعب ما شاهدته
وانتهيت”
وحينما تذكر ثلاثية دانتي أليجيري، إنما يتحدث العالم عن واحدة من أعظم الأعمال الأدبية التي (خُلِّدت) عرفتها الإنسانية لما فيها من مشاعر نظمها الشاعر في أبيات تبرز فيها خلاصة تجربته.
ومن بين ترجمات الكتاب، ترجمة لنصوص للشاعرة الروسية “آنا أخماتوفا” التي عُرفت بمعارضتها للنظام الستاليني وعلى إثرها مُنعت أعمالها من النشر ثم عادت ليُسمح لها بالكتابة خلال المواجهات التي اندلعت بين القوات السوفييتية ونظيرتها الألمانية في الحرب السوفييتية العظمى، وتلك النصوص تحمل عاطفة الشاعرة التي غرقت في الحزن واليأس بعد ما تعرضت له في حياتها على الصعيدين السياسي والشخصي، حيث تناجي الموت قائلة:
“يا موت.. يا موت.. يا موت
أعي جيدًا
أنك ستعرف طريقك إليّ ذات يوم
فبالله عليك لِمَ لا تأتي الآن؟!”.
ويحتفي الكتاب بترجمات لنصوص -لشعراء عالميين- تجاوزت، بما تحمله من مشاعر إنسانية وقدرات تعبيرية فذة، كل عقبات الزمن واختلاف اللغات لتصل إلينا في القرن الواحد والعشرين عبر مؤسسة أروقة، التي تواصل بالتعاون مع أدبي نجران سلسلة الترجمة “سعيًا لتقديم محتوى متميز يُثري القارئ العربي ثقافيًا ويجعله دائم التواصل والاطلاع على ما حوله من ثقافات العالم أجمع”، كما يقول هاني الصلوي رئيس مؤسسة أروقة للدراسات والترجمة والنشر.