فضاءات الدهشة

يهتم بالكتابة المدهشة..رئيس التحرير أحمد الفلاحي

نصوص

لا تذهب قبل أنّ أُنهي حديثي

ميرفت أبو حمزة

 

 

أكرهُ المجاملاتِ كثيراً
لكنَني كثيراً ما أُرغَمُ عليها
أكرهُ أنّ يُرغِمَني أحدُهم على شيءٍ
لكنَني أُرغِمُ نَفسي على الإستحمالِ دائماً
أكرهُ الإستحمالَ …لكنهُ قلبي
يصرُّ على الخفقانِ يسارَ صَدري
مع أنني أراهُ يخفقُ كلَّ يومٍ
بأجزائِهِ الموزعةِ على صدورِ أبنائي
أكرهُ أبنائي لأنَني لا أحبُّ الخوفَ
وحُبّي لهم يدفعُني لأن أخافَ عليهم
حتى حِينَ يَذهبونَ إلى النومِ
أكرهُ النومَ أيضاً فهوَ يخطفُ نصفَ ما تبقى لي
وأنا التي أمتلكُ حدساً غريباً
ينبئُنِي حَدسي بأنِّي سأموتُ قريباً
وأريدُ أنّ أستغلَّ كلَّ لحظةٍ تمضي
أكرهُ الموتَ أكثرَ
لكنني سأُحِبُّهُ جداً عندما يلبسُ بدلةَ ” التوكسيدو” ويضعُ عطر ” الدنهل”
ويأتي ليصطحبَني إلى حفلِ تأبيني الإفتراضي
وأنا بكاملِ أنوثتِي وشبابي
وأراكم كلَّكم خلفَ شاشاتِكم تقرأون الشِعرَ لي
وتقدّمونَ المجاملاتِ التي أكرهُها وتهنئونني على موتي لأن أبنائي مازالوا أحياءً
وستحزنونَ لأنَهم أُرغِموا على وداعي باكراً
ولأنَّ عليهم أنّ يتحمّلوا غيابي الطويلَ
وستقولون لهم ألّا يخافوا
لأنَّ الشعراءَ لا يأخذُهم موتٌ ولا هم يحزنونَ
وبأنني سأزورُهم في الحلمِ
كلَّما سَقَطَ الغطاءُ عنهم
وأنَّ ابتسامتَهُم ستعودُ شيئاً فشيأ
وأنَّهم لَنْ يَبكوا عليَّ بعدَ الآن
إلا حِينَ يأتي عيدُ الأمِ ..تحديداً لكثرةِ ما سيسمعونَ أغنية ” ست الحبايب ”
وأنا سألوِّحُ لكم ولهم وأقبّلُكم وأقبّلُهم بكلتا يَديَّ من بعيدٍ وسأبكي
أنا أكرهُ البكاءَ لأنني بكيتُ كثيراً طيلةَ حياتي
أبكتني صرخَتي الأولى وأهلي وأقاربي والذين أحببتهم والذين ماتوا والذينَ خُطِفوا والذين انتحروا والذين مرضوا والذين سافروا والذين نزحوا والذين استشهدوا
أبكتني أيضاً محافلُ التأبينِ وأصواتُ الرصاصِ
وبالمناسبةِ أنا أكرهُ التأبينَ وسردَ المناقبِ والدموعَ الكاذبةَ وحتى الحقيقيةَ مِنها
أكرهُ الاجتماعاتِ العشوائيةَ
والأوبئةَ المنتشرةَ وأخافُ من المعزّينَ على والديَّ وزوجي وأبنائي ، فأعتذرُ سلفاً عن واجبِ فتحِ العزاء..

 

من ديوان ” أساور الماء ”

*شاعرة من لبنان.

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *