محمد المياحي
أنا ابن القرية التي تنام بعد صلاة العشاء ولا تؤذي أحدا..
ابن القرية التي يموت أبناؤها بلا سبب، يمؤتون شباباً، يموتون أطفالاً، يموتون بالحُمّى، يموتون بالسُعال، يموتون فجأة، ولا يسألون عن السبب، يصلون على موتاهم ويهمسون باطمئنان عجيب: لك الحمد يارب، لك الحمد هذا قدر..!
ابن القرية التي لا يغازل شبابها فتاة قط، ولا يحلقون شواربهم عادة، وحين يشعرون بالضجر يعضوا قلوبهم ويصمتون، يمضغوا حزنهم ولا يشكون لأحد..
ابن القرية التي آمنت بالله ولم يمنحها شيء، آمنت به دون أن تراه، آمنت به دون نبي ولا رسالة، سمعت به وآمنت ولم تقرأ شيئاً من الكتاب..!
ابن القرية التي يعمل نساؤها
منذ الصباح حتى المساء لا ينتظرن شكرا ولا أجرة من أحد..!
هناك في المنازل الساجدة أسفل الجبل ولدتُ.. تحت سقف من تراب وضعتني أمي، وما زلت مؤمناً بسقف منزلنا ولم أكفر بالسماء بعد ولن أكفر بالتراب..
أنا ابن القرية التي يتمدد أبناؤها على سطوح المنازل كلّ مساء، وتحرسهم النجوم في الأعلى، أحواشهم من الحطب وبيوتهم بلا أبواب، تعساء، ولا حظّ لهم في الحياة؛ لكنهم مؤمنون..!
جدي عجوز مؤمن يغمس الخبز بالعرق وفي الشتاء يأكله جافاً، يقتسم حب الذرة مع الجوعى والمعذبين، وينام راضياً عن الله..
أنا ابن القرية التي يشيخ أطفالها في الخامسة، ولا يملكون اللعب، يمرحون بالطين وينامون تحت الأشجار، جلودهم شاحبة وأقدامهم مخزقة بالشوك، وحين يصرخ المؤذن يفترشون الحصى ويصلّون مثل أمهاتهم..!
أنا ابن القرية المهجورة والمؤمنة، ولا يوجد ملحدُ فيها، ابن القرية الذي يكفر بكل شيء ؛ لكنّه يصلي كل نهار، يؤمن بالله ولا يفهمه، ولا يكفر سوى بنفسه..!
لا يوجد ملحد في القرية كلنا مؤمنون وجوعى، لا يوجد ملحدُ، يوجد جوعى، يوجد بشرُ يحتضرون وموتى على قيد الانتظار!.