فضاءات الدهشة

يهتم بالكتابة المدهشة..رئيس التحرير أحمد الفلاحي

كتابات

جراحة عاجلة في “معدة غودو”..

إلهام بورابة/ الجزائر

 

قراءة انطباعية في ديوان ” غودو يأكل أصابعه ” للشاعرة الجزائرية عنفوان فؤاد.
**

في انتظار غودو.
لا تستغربوا. كنت في انتظاره ، لكنه أتى يا “بكيت ” فلينته العبث !

من مكة أتى . وتحضر أناشيد المولد من الطفولة البعيدة : ماريتو رسول الله ، ريناه وفي مكة خليناه ، يتوضا ويصلي.
هذه نبوءه غودو قالت عنفوان.
إذا تعلّق الأمر بالدين . فأجل
في الشعر ، ما من نبوءة تتحقق حتى نتبلل.
..
لأن من عادة القارئ أن يلتهم الكتاب من مؤخّرته ليستدل على طعم النصوص ، فليس هذا من الأمر الصعب إذاً. لكن وأنت مع ” غودو يأكل أصابعه ” للشاعرة الجزائرية عنفوان فؤاد ستؤدّبك المؤخرة وتجبرك على طرق الباب فالبيوت تدخل من أبوابها.
لابد أن نستحضر هنا مالك الحزين . أليس القائل : لا تطرق الباب كل هذا الطرق. ف أنا لم أعد أقيم هنا. ليس لينهينا عن الطرق بل لأن الباب لم يعد من أثاثه . لم يعد من خشب الأشجار فقد حدث قلع الغابة التي كان أثاث بيته العتيق منها . ولهذا فإن عنفوان تدعونا للطرق لأنها مازالت تقيم بين أثاثها القديم وتقول:لا أتمدد على سرير قطني ـ استبدلته منذ أعوام بلوح خشبي ـ في الأصل كان بابا لبيتنا الأول. الباب يطرق ـ
أجل ، فلنطرق الباب . إنها مازالت تقيم هنا ، هي الشجرة. يا الشجرة من زمن بكيت واقفة تحمل غودو في جوفها.
الشجرة التي طالما تباهت بنظارتها..

اليوم جعلوا منها بابا
ستأتي الريح
ستحكي لها عما يشغلها
تدفن من تحتها سرها الاعظم
ستحمل سكينا
…تصطدم بالفراغ.
لا تقلد عويل الريح عند …جذع كلمة مقطوعة.
إن الشجرة …كلمة.
وندخل الكلام بعد أن ندق هذا الغليظ الحديدي الذي يرسخ ظله على الباب في الغلاف . اليد الصغيرة لا تستطيعه ، اليد القوية حين تفعل ينفتح الألم. ويسقط جسد الفراشة عند عتبة الباب.( فراشة الباراسيكولوجي)
عجبا ! يبدأ التصفيف بذكاء من المؤخرة . تهز جناح الفراشة من المؤخرة يهتز المبتدأ . فنحن أمام دفتي حياة. وعلى الفراشة أن تنقي ” له ” وردة تلبق ” لها” . هو وهي فقط الحياة.
هو الغيم وهي تتأبّطه. وإذا نحن نتبلل بنبوءة الشعر.” بسكرته الطبيعية”
….
منذ ثلاث غيمات
يطفو الشعر
والمطر استشكل عليه ترتيب القصائد الحزينة.
هذا ما أرادته عنفوان أن يكون . على حسب اهتزاز قلبك يا قارئ رتب القصائد.* خذني على محمل القلب*
وعلى القلب اسم الله. فكل كلام لا يبدأ ببسملة أبتر.
على سبورة الله أكتبك …قصيدة. طبعا ، على سبورة الله . فغودو في جوف الشاعرة. انتهى العبث . ظهر الله منذ الأزل. ولتدخل بيت الله عليك الاغتسال *الاغتسال بماء الشعر اقدس من اي ماء آخر* تقول له عنفوان.
متاعي وسط بطنك، وما في بطن غودو غير أصابعه. فتلك متاع الشاعرة. فقط ، لماذا؟ لأنه المتاع الذي يجعلها جميلة . وما أجمل هذا التنظير للجمال . التنظير وليس التعريف. لأنها نضرة فلنقرأ في قصيدة غودو يأكل أصابعه التي هي وهج الديوان. مع ملاحظة أنه كلما اهتز مبتدأ تهتز المؤخرة ( أثر الفراشة):
جمالي يفضح غضبك
وقلقك
برّرت فعلتك
أخبرتهم بأنك كنت تعض على أصابع غودو
كلما ضغطت أكثر
ارتخت عضلات فزعك
وتفتحت كدمات في حدائق جلدي.
*أنت تعض على أصابع غودو فيصرخ بالمزيد من ” المٌنى” !
ربّما لأنه ليس كبيرا بما يكفي ؟* يا صغيري… أنى لك قوّة تحمل حمرتها الملتهبة.*
…..
سأنسحب..
*منو خوشه ويستم له جاي خانه* فكم أنا ميتة !كأنها تقول
يازائر قبري الوحيد، لست مجرد ظل
أيتها الجثة التي تتكاثر بالقراءة . أهي دعوة للتوقف ؟ فلي طموح للبعث.
البعث يلزمه أكسجين . يا روعتك يا عنفوان. كيف رتّبت كل هذا ؟ قبلة الأكسجين ، يحدث أن يكون اللقاء بروفا للموت ؟ وكسر أخرمفتاح داخل قفل الباب يُدخل القمر إلى الغرفة؟ لاجئا ؟ هل من هنا يبتدئ المشوارالحقيقي؟ بالتأكيد . فهنا طائرة. تنتهي الفراشة . فتكفي رحلة واحدة لتهتز ريشة لتحرك القفص. مدهش حقا هذا الانتقال ، هذا الترميز من أثر الفراشة إلى أثر الريشة. تطيرالفاء.ليبقى من عنفوان ” عنوان”. لابد من عنوان لتصل الرسائل التي تطلبها . تقول الشاعرة:
*اغمرني بالاتصالات*
ثمّ *هذا الصمت* ليصير ما تهزه الشاعرة ذيلا.*هذا الحب، هذا القلب*هذا الأنت * ماالذي فعلته بهزّك ذيل هذا العمر القصير*
إنها الحياة / مايحدث بين هو وهي.
طارت فراشات الحب
طارت ريشة الرحيل
ثم ذيل الصمت
ثم الكره.
ويظل داخل كل نص حقيقة واحدة *صاحبة الرداء الأحمر الضائعة والذئب* . في الحقيقة أن ذات الرداء الأحمر هي من غدر بالذئب. وعلى ذيل الذئب دم كذب. فهل يوجد في بقية القصائد ما يشير؟* فهي المستوحشة كذئبة عضّها قمر*
العلم المذكر الوحيد الذي يقابل ذئب هو العراق.
هذه البلاد التي لا تفصل بين سطر وقبر
لم يعد بإمكانها بكاء كل الأسماء.
الشاعرة الحمراء والعراق الذئب.
هذه المرة يطرق الموت.
نهاية ، هناك اعتراف ، بأن الذئب كان ملاكا . تقول : جعلني (الله) عند البدء على هيئة ثقب في لحمة أذن ملاك.
لكن سرعان ما غير رأيه لسبب ما
يقول صوت قادم من الداخل
إنه مناسب تماما لتسريب جثث العشاق المحترقة.
أيتها الشجرة، من زمن “بكيت” تقفين ، وحدك مؤمنة بالله ، تواصلين إنعاش الحياة ب “حمّى قبس” . هل هي العدالة؟
لكن العدالة هي : أن أقبل حبيبي * دون إذن رسمي من قلبه * أمام دهشة كل الشرائع المدانة. تقول الشاعرة معارضة الشاعر رياض الصالح الحسين القائل : العدالة أن أركض مع حبيبتي في أزقة العالم دون أن يسألني الحراس عن رقم هاتفي أو هويتي الضائعة.
ذلك لأن الشعر سماء خضراء تحرثها أرواح الشعراء الذين سبقونا إليها . هكذا تهدي قصيدتها إلى رياض الصالح الحسين.
لنرى أخيرا الذئب الذي كان ملاكا . أليس رياض الصالح الحسين قائل :* الذئب الذي افترسني صار أنا. أنا الذئب ، أنا الصياد ، احذروا حبي !
كل البلاد العربية إذاَ ذئاب. من العراق إلى سوريا إلى ……..
كل الرجال …….رجل واحد *يبصم بحقيبته في كل محطات الضياع*
والشاعرة الحمراء تغير * عنوان إقامتها خمس مرات على التوالي* * يد هنا* يد هناك * هي * السنبلة الوحيدة التي وقفت في عقر دار الريح وشريطها الأحمر يقهقه ملء الندم*
بيدها فكت ضفيرة القلب للذئب.
هذا التصميم على تبرئة الذئب تجريم للريح. الريح تقضي ” وطرا” وتروح. مكتوب ومقدّر.
يا الشاعرة المهزومة بفائها تطير من العنفوان . هذا أبي ، تقول لكل رجل . تعويضا للنقص !
وكل فتاة بأبيها مغرمة ! أقول. وأعجب من العنوان : غودو يأكل أصابعه. أهي دعوة لتدخل جراحي في العنوان ؟ في معدة غودو؟
فالشاعرة تدعونا لعديد. إذ تقول: أعجب لنص به مفردة بحر ولا يسبح فيه أحد* أعجب لعنوان … لا نحتكم منه لضمائرنا.
لكنها تخاف القابلة . فالمقص ظل بأصابعها وستقطع متعة الاشتهاء؟ غودو والشاعرة متحدان الآن كبويضة ملقحة.
يبدو الديوان حديث في الشبق واستدعاءات جنسية محمومة لكنه تداعيات طفلة تسترجع ذكرى جنينية جميلة . فكم هو حديث هذا الشعر ! اقرأوا معي نصها:
ليته يستأنف عملية القذف تلك
أكان على حينه المني
أن يسقط في زمرة اللاهثين ورائي؟
أكان عليه أن يختار تلك البويضة؟
لو فقط….
لكان تكبّد مصيري وبصقه الرحم عند ميعاد الدورة.

لن تذهبي أبعد من محبرة اللذة
هكذا همست القابلة

فالمقص مازال بيدي
ولن أكتب وصية بسحبه من عهدة أصابعي.
إنّها مذكرات جنين . فهل يمكن لعلم النفس أن يستفيد من الشعر ليشرح ما يحدث في الظلمات؟
أقف هنا على حالة تكوين جنين مرغوب فيه. وعنفوانه إذ يكون كذلك. أن تكون مولود رغبة ستصاحبك حالة رضا. وستكون مدلّلا ومطلوبا على الدوام من الجنس الآخر. تعطينا الشاعرة هنا بناء على تجربتها الجنينية تفسيرا لما يحدث في العلاقات. فوحدهم مواليد الرغبة سيحظون بمن وما تمنوا. فهل كان المنيّ غير ” مُـــنَى”؟ !!!!! إلّا الشاعرة. فالقابلة قد همست : لن تذهبي… أبعد من محبرة اللذة فكان الحبرهو الشهوة واللذة والمنية و كأنها تقول :
ليتها
تعود لغودو أصابعه
ليعضّ الناس عليها مزيدا
بشهوة أكبر
ليملؤوا الكون بأبناء الرغبة
فوحدهم أبناء الرغبة يصنعون السلام.

عنفوان ، تعجبين من حب كغاز لا يخنقنا شعرا . هذه أنا أضيف بدارجتنا الفاضحة : شعرك يجبذ الغاز. هذا التعبير الجميل عن كل دهشة تحبس أنفاسنا.

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *