فضاءات الدهشة

يهتم بالكتابة المدهشة..رئيس التحرير أحمد الفلاحي

قصة وسرد

من يوميات امرأة بين الضفّتين

فتحية دبش

بين نوم و صحوة رفعت رأسي المثقلة بأوجاع السفر حين خفض سائق سيارة الأجرة من سرعته الجنونية على حين غفلة.
تلوت الشهادة، و جال بخاطري حال زوجي و أطفالي و هم يتلقون خبر وفاتي في حادثة طريق…
ففي تونس لا ينجو راكب سيارات الأجرة…
لمت نفسي لأنني أخلفت الوعد الذي قطعته لهم بأن أركب الحافلة بدلا عن سيارة الأجرة…
قلت في نفسي ذلك عقاب من يخلف الوعد!
و تمنيت لو أن القدر أمهلني للمحطة القادمة فأغادر هذه المجرة المجنونة لأخرى أقل جنونا…
بينما أنا هكذا، أجمع و أطرح خواطري المتضاربة و أرسل قبلاتي الأخيرة إلى زوجي و أطفالي، و أعلن لهم عن حبي الذي قلما عبرت عنه بما يليق، و أوصيهم خيرا بي بعد مماتي و ألاّ ينسوا زيارتي في السنة مرة أو مرتين، و أعلن لله توبتي بعد أن ارتكبت من المعاصي كثيرها كخروجي من بيتي بلا محرم، إذ بصوت السائق مرتجفا يتناهى إلى مسامعي أن هاتي بطاقة الهوية…
قلت في نفسي، و هل صار على أبواب الجحيم _و هو مآلي_ أيضا أعوان تتثبت في الهوية؟
لم أماطل و بسرعة فائقة فتحت حقيبتي اليدوية و ناولته جواز سفري و تمتمت في سري إنني لمن المغضوب عليهن حقا إذ أموت هكذا مدهوسة على طريق ضيقة تفتقد للصيانة و بسسب جنون سائق سيارة الأجرة الذي يلاعب الموت بنا…
لكن صوتا قويا معتدا قال سر في أمان الله…
أعاد السائق تشغيل المحرك بعد ان سلمه شرطي المرور اوراق هوياتنا، عدت لنومي، و عاد السائق يقارع الموت و يضغط على الدواسة متجاوزا كل قوانين السرعة متجاهلا حياة من أودعها أمانة بين عجلات سيارته…
فهمت حين ذاك أنني لم أكن على أبواب الجحيم العلوي، و إنما في نقطة مراقبة لشرطة المرور، و أنني في تونس حيث نخاف رجل القانون لا القانون و نحسب أن كل حدث قضاء و قدر يعفي الإنسان من المسؤولية…
حمدت الله على سلامتي إلى حين و قررت أنني لن أخلف وعدي بعدم ركوب سيارة أجرة ثانيةً.

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *