فضاءات الدهشة

يهتم بالكتابة المدهشة..رئيس التحرير أحمد الفلاحي

قصة وسرد

وداعًا جيسن الصغير

مريم مشتاوي*

 

فتحت السيارة ورحت أركض شاقة طريقي بين الناس.. كنت أشعر بأيد تحاول إيقافي ولكني كنت أضربها بكل ما أحمل من قوة وأدفع نفسي كالمجنونة وأنا أصرخ:
– باسل باسل.. يا عم إدريس.. يا عم إدريس أين أنتما… وصلت إلى الصف الأمامي بأعجوبة ورأيت النيران تتصاعد من الطوابق السفلية بسرعة مخيفة.. حاولت أن أرمي نفسي إلى الأمام وأدخل العمارة ولكن رجلًا من الشرطة أوقفني وهددني إن حاولت الاقتراب بإبعادي عن العمارة.. وفجأة سمعت امرأة في الطابق الخامس تصرخ بأعلى صوتها:
– أرجوكم أرجوكم التقطوا ابني الرضيع…
رد رجل كان خلفي وهو يتقدم بخطوات ثابتة إلى الأمام:
– أرميه يا سيدتي أعدك أن أحاول إنقاذه…
وقف الرجل أمامي وأنا أصرخ:
– يا رب يا رب أين أنت يا رب.. يا رب أين أنت… لا تتـرك الصغيـر يمـوت… لـم أصـدق عيني حين رأيت الأم ترمي طفلها وهي تقول:
– إلهي أنقذ طفلي… وسمعت صرخة تشق السماء:
– جيسن…. حبيبي وبعدها رمت الصغير من الشباك والتقطه الرجل… وسمعت الأم تصرخ:
– سيدي قل لي هل هو حي… أرجوك قل لي هل ابني ما زال يتنفس… صمت الرجل وهو يحاول فك الطفل من أطواق القماش الكثيرة التي لفته بها الأم… ثم استجمع قواه:
– نعم نعم طفلك مازال على قيد الحياة وبدأ الطفل بالبكاء فتجمع الإسعاف حوله.. ورأيت الرجل الـذي التقطـه يشهـق أيضـًا ببكـاء يشبه النحيب… حضنتـه وأنـا أشعـر أن العالـم بأكملـه يحتضـر.. وبعدها صرخت المرأة:
– وداعًا وداعًا جيسن الصغير… وداعًا يا بني… واختنق الصوت وتصاعدت النيران أكثر…
فصرخت بكل ما أوتيت من قوة:
– لم كل هذه القسوة يا الله…

________________
* كاتبة وروائية لبنانية تقيم في لندن.
-من رواية “جسور الحب، غرينفيل تاور” للكاتبة، الصادرة حديثًا..

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *