فضاءات الدهشة

يهتم بالكتابة المدهشة..رئيس التحرير أحمد الفلاحي

قصة وسرد

مالك الحزين

علي جعبور

حين يأتي الحصاد يأتي مالك الحزين. أحب الذرة الطويلة البيضاء بسنابل معقوفة، ناصعة في شمس الشتاء الخجولة ومشرقة إشراقة ريش الطائر الغريب. يرحل مالك الحزين ويتوارى عن نظراتنا الشغوفة لأشهر طويلة، قاطعا المحيطات والقارات الواسعة، مهاجرا في بلاد الله، ثم يقدُم، هكذا فجأة، دون أن يقول له أحد أننا بدأنا حصاد الذرة. يولد من العدم، من الأفق الشفاف البعيد؛ تظهر جماعة مالك الحزين مثل حبات ذرة بيضاء صغيرة سابحة فوق حافة بيدر الفضاء المديد، تكبر رويدا رويدا حتى تصير مثل سحابة ضئيلة أضناها التذبذب الطويل والسير الأزلي في الأعالي الشاهقة بأجنحة رقيقة من قطن الملكوت الخالص، ترنوا إلى نشوة الحياة في الأسافل وقد استبد بقلبها عشق قاتل للأرض السمراء المليحة، تتمزق وتتساقط طيورا زاهية بريش البهجة والصفاء والسلام، جاهزة لنقر الحشرات والديدان والضفادع، والتهادي بخطوات وجلة وراء الحصادين واعتلاء ظهور الأبقار في الظهيرة عندما تكون ساهمة وكسلانة بعد اعتلاف حشائش الوادي. يحل الأصيل الذهبي سريعا فترفرف البلشونات الزاهية رفرفة قصيرة وادعة نحو أشجار الإثل والسدر الخاشعة وأحراش الأراك ذات الأغصان الرغيدة المتعثكلة، تتوافد من الحقول زرافات ووحدانا، تطوي أعناقها حتى ليخيل إليك أنها بلا أعناق أصلا، وأنها، فقط، بجسد ورأس، تتأمل الشفق الأرجواني، حالمة بالإياب لموطنها خلف البحار، هناك حيث تتزواج فوق ضفاف البحيرات وتضع بيوضا لحياة جديدة، وكلما شارفت الشمس على المغيب، كلما شرعت الطير بإقامة صلاة مهيبة، شجية وكتيمة حتى تصير جزءا من المساء المعتم. ويحل صباح آخر لا حصاد فيه ولا زرع. يمرر جدي عينيه فوق محصوله الوفير راضيا ممتنا، وأسرح بناظري نحو الأفق الداني، مودعا آخر طائر غادر لاحقا بصحبته، ولا أسأل أحدا بعد ذلك، أين طيور الله؟ أين هم هكعوا وأين سكعوا؟

تعليق واحد

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *