فضاءات الدهشة

يهتم بالكتابة المدهشة..رئيس التحرير أحمد الفلاحي

كتابات

ذكريات وفاء في رحيل شاكر خصباك

همدان دماج*

 

خبر حزين رحيل الدكتور شاكر خصباك، شيخ الجغرافيين العرب، وأحد رواد السرد العربي، وأحد أعلام العراق المعاصر، والشخصية الأكاديمية الفذة. صديق والدي، وصديقي، ورفيق مقيل المقالح الأدبي. مات في أمريكا غريباً بعد أن غادر منذ سنوات صنعاء التي أحبها كثيراً.
عرفته منذ وقت مبكر عندما كنت أرافق والدي في بعض الأحيان لمقيل الدكتور عبد العزيز المقالح، وكان الدكتور شاكر آنذاك – ولفترة طويلة – استاذاً مرموقاً في جامعة صنعاء ضمن كوكبة رائعة من الأساتذة العراقيين. كانت له شخصية قوية، وصوته كان جهورياً، وكان الكثيرون يخافون من حدة انتقاده وطرحه، لكنه كان في الوقت نفسه محبوباً لطيفاً وكريما على المستوى الشخصي.
تعمقت علاقتي به أكثر في منتصف التسعينيات عندما كنت طالباً في جامعة ريدنغ البريطانية، التي درس فيها وحصل منها على شهادة الدكتوراه في 1958. في اجازاتي الصيفية كنت أعود إلى صنعاء والتقيه فيقول لي ممازحاً: “نحن زملاء جامعة عريقة واحدة”.
أتذكر في أربعينية والدي عام 2000 كيف كان الدكتور شاكر مشحوناً بصدق الحب والوفاء لليمن وهو يلقي كلمة “أصدقاء زيد مطيع دماج” من على مسرح مركز الدراسات والبحوث، دون أن يتخلى عن شجاعته في نقد واقع المبدعين وأعلام الفكر والفن في اليمن والوطن العربي المكبل بالاضطهاد والتجاهل.
كما أتذكر بعد سنوات في مقيل الدكتور المقالح، وكنت قد عدت إلى اليمن وبدأت العمل بمركز الدراسات، أنه جادل كثيراً بأن رواية الرهينة، على الرغم من أنها اكسبت كاتبها شهرة عربية وعالمية، إلا أنها ظلمته كثيراً، فقد صرفت الأنظار عن نتاجه القصصي الذي كان يفوق الرهينة إبداعاً حسب رأيه. كانت آراءه تحدث عادة جدلاً واسعاً، فانقسم المقيل بين مؤيد ومعارض، وبعد أن طال الجدل أوقف الدكتور شاكر المتحدثين وأشار إليّ وقال بصوته الجهوري الغاضب: “أنا قابل بما سيقوله همدان في هذا الموضوع!”، ويا لها من ورطة.
وأتذكر أيضاً في 2008 أننا قمنا في مركز الدراسات والبحوث اليمني بتنظيم صباحية قرائية ونقدية عن المنجز العلمي والأدبي للدكتور شاكر خصباك احتفاءً به وتقديراً لدوره الإبداعي والعلمي وما تركه من إرث كبير في مجال الجغرافيا والنقد الأدبي، وكذلك بمناسبة صدور مؤلفاته الأدبية في ثمانية مجلدات، والتي تنوعت ما بين روايات ومسرحيات ومجاميع قصصية. في صبيحة ذلك اليوم الصنعاني الجميل من شهر يونيو اكتظت القاعة بالحضور حتى أننا اضطررنا إلى إخراج الكراسي الخلفية وإعطاء مساحة أكبر للوقوف، كان الجميع هناك تقريباً: تلامذته القدامى، زملائه من الأكاديميين، أدباء ومفكرين، أصدقاء ومتابعين لأبداعه الأدبي، كلهم حضروا عرفاناً به وبما أنجزه خلال عقود كثيرة من العمل الجاد والإبداع الخلاق.
رحم الله الدكتور العالم الأديب الشجاع شاكر خصباك، والعزاء لأهله وأصدقاءه وتلامذته وزملاءه في اليمن والعراق وفي كل مكان.
_____________
* كاتب وأكاديمي يمني

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *