فضاءات الدهشة

يهتم بالكتابة المدهشة..رئيس التحرير أحمد الفلاحي

كتابات

في حضرة الضوء.. قراءة انطباعية في مجموعة زكريا شيخ أحمد

ما أقدمه ليس نقدًا أو دراسةً أو تحليلاً أدبيًّا، إنما هو انطباع ورأي متواضع حول هذه المجموعة التي نحتفي بها وبشاعرها المبدع الجميل إلى جانب كوكبة منتخبة من الشعراء والنقاد.

(ضوء هناك) مجموعة شعرية مميزة في قصيدة النثر للصديق الشاعر زكريا شيخ أحمد. علَى الرغم من كبر حجمها غير أنني قد قرأتها أكثر من مرَّة، وتأتي في 210 صفحة من القطع المتوسط، والصادرة عن دار المثقف للنشر والتوزيع – القاهرة. هي تعتبر إضافة قيمة للمكتبة العربية، وكنتُ قد أشرتُ إليها سابقًا في أمسية جمعتنا في رحاب المنتدى العربيِّ الأوروبيِّ بالتعاون مع مجموعة مجلة نصوص من خارج اللغة والتي أعمل فيها سكرتيرًا للتحرر.

 

زكريا شيخ أحمد، السوري المقيم حالًا في ألمانيا، كاتبٌ له أسلوبه المميز بين كتاب قصيدة النثر، وأنا المتابع لمواقعَ ومجلات وإصدارات ومنصات عديدة لكثير من المبدعين. إنَّ زكريا يكتوي بنيران الحرب، علَى الرغم من نفاذهِ منها، لكن يبقى محترقًا هناك، يبكي، ينزف، ويتحسر، ويعزف، يغني، ويطرب، بعد أنْ تجاوز حدود الوطن المنكوب بأحلامٍ داميةٍ وآمالٍ محطمةٍ مع كثيرٍ من أبناءِ وطنهِ، في زمن الشتات والغرقِ والهوان والنزوح القسري والبحث عن الملجأ، حيث يُسطر المآسي والمواجع والخذلان بمداد قلبه المكلوم، وهو لا يكتب عن نفسه فحسب، بل يكتب عن المشردين، والمسحوقين، والمعذبين، والمنكوبين، والمغدورين، والمخذولين.

 

حين أقرأ مجموعة (ضوء هناك) أجد ما لم أستطع التعبير عنه في مَا نعيشه من أوضاعٍ مماثلةٍ في يمننا العزيز؛ فثمةَ عذابات وآلام وأحزان مشتركة، ومظالم ودموع مشتركة، ونزيف مشترك، وهَمٍّ إنسانيٍّ ووجوديٍّ مشترك. ثم إنَّ للشاعر بصمةً خاصةً في نصوص مجموعته لا تشبه بصمة كاتبٍ آخر، حيث يعتمد علَى الفكرة في الكتابة، غائصًا في عوالمَ فلسفية وتأملية تشع بالضوء، ومخاطبًا العقل والمشاعر والضمير، وهو يغرف من نهر واسع سيَّال. من خلال الفكرة تتوالد الأفكار، تفرخ وتحضر المفارقات والانزياحات والدهشة بأسلوب فنيٍّ متقنٍ بسيطٍ، لا يكتنفه إبهامٌ، ولا يتحول إلى أحَاجٍ مُلَغزةٍ، وإنما تحمل تجربته رسالةً إنسانيةً في غاية الشفافية والعمق، وهي مجموعة تستحق – هذا ما أعتقده – كثيرًا من القراءة والتحليل، وإلقاء الضوء عليها.

من نصوصها اخترتُ نصًّا بعنوان: أحترقُ بصمت.

 

مع كلِّ قطعةِ خشبٍ تحترقُ

أحترقُ بصمت،

أنا قطعةُ الخشبِ

الملقاةُ بجانبِ المدفأةِ

ما أحتاجُهُ بضع دمعاتٍ

لأكسرَ حدةَ حزني،

أنا الذي فرطَّتُ بكاملِ

حصتي مِن الدموعِ،

وما منْ أحدٍ

يمنحُ دمعةً واحدةً لأحدٍ

 

كلُّ الانهياراتِ التي توقعْتُها وقعَتْ

كلُّ الانهياراتِ التي لم أتوقعْها وقعَتْ

لم يعدْ ثمةَ فارقٌ كبيرٌ

أنْ أعيشَ في ممرٍّ معتمٍ

أو قصرٍ فاخرٍ

 

أيعقلُ أنَّنا في العامِ ٢٠١٨؟!

أمْ أنني أهذي؟!

إنَّنا في العامِ ٢٠١٨

وما زلنا نمشي وراءَ فتاوى

تبيحُ للإنسانِ قتلَ الإنسانِ

إنَّنا في العامِ ٢٠١٨

وما زلنا نلعقُ أحذيةَ الطغاةِ

الذين يقتلونَ باسمِ الوطن. 

 

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *