فضاءات الدهشة

يهتم بالكتابة المدهشة..رئيس التحرير أحمد الفلاحي

نصوص

حرثاً في ضيعةِ الآن

ماجد موجد

 

وكأنَّ خيطَ هواءٍ
يقلّبُ نفسَهَ أمامَ نفسِهِ ليعرفَ من هوَ
أقلّبُ المصادفةَ
التي صنَعتْني من خاطرٍ عابرٍ
ما كان ليعرفَ قبلَ ذاك
كيف يحلمُ أو يخافُ أو يتكلّم
حتى صارَني فكنتُهُ

بفمٍ دون ذاكرةٍ وبلا نسيان
ترابَ عدمٍ في العباراتِ أصفُرُ
وصراخاً مطحوناً
أسمعُ تنفّسَ ذراتِهِ في رئةِ الظلامِ البعيد
..
مِنْ هناك أصيحُ مَنْ هناك؟
أرى طيفاً يشبهني
يُلوّحُ لطيفٍ يشبهُهُ
ويفتّتهُ في الفراغِ فراغٌ

مَنْ هناك؟
أرى ظلّاً لاسمي في نهرٍ
تركضُ على حوافِّ جمرهِ الميتِ
أحزانٌ طويلةٌ أسنانُها
عالياً يشرئبُّ رنينُ الفزعِ من اللّهاثِ
مخلصاً يمضغُ الإلتفافةَ وجعُ الهزيمةِ
مِنْ هنا الى هناك
…..
في كلِّ بابٍ أينَ،
عندَ كلِّ عينٍ تِيهٌ،
حاجبٌ مكسورٌ في القرى
وشفةٌ عمياء بين الظلامِ والعطش
ما مِن آنٍ معرّفٍ يردُّ سؤال الـ..متى؟
مدنٌ بلا أبواب ولا ظلال
تفتحُ جسدَها بحرصٍ للجراد
كأنَّ جنوداً أخوةً
يقتلون جنوداً أخوةً
كإنَّ الحربَ مئذنةٌ بقوامٍ ثمينٍ وشفاهٍ تلمع
والسلامَ طائرٌ
يشربُ الرصاصُ الماءَ الذي يضيء ريشَه

هل هذه هي الدفاتر
التي يخرجُ الشعرُ والأصدقاءُ
من عناصرِها وأعراقِها؟
لماذا لم يزلْ الخوفُ يحكُّ الذاكرةَ
حتى صارَ لجلدِهِ بيتٌ وأهلٌ؟
هل ثمة مَن يسأل
كيف كانت ملامحي
حينما وضعتُ الصورَ المثاليةَ
والكلامَ الرنّانَ في حوضِ الملح؟

..
صرت أسمعُ صوتَ جيرانِ الطفلِ الذي كنتُ،
وكأني في ذات البيت
أضع وجهي تحت زمنه العالي
وأشمُّ رائحة الأحلام المدفونة في سقفهِ
ما من أنين فيه إلا وقد أورق دمُه،
عيناً بعد عينٍ يدخل الدودُ
في ورداتِ الإسمنت،
حتى كان أفرادُ البيت أفراداً
بينما لكل اسم منهم شرفةٌ في الروح
تكفي لصنع نومٍ واسعٍ وأحلامٍ رفيعة
تكفي لمائدة ملائكية
أأكلُ منها وأشربُ
وأمسحُ رائحةَ الشتائم
عن الهواء الذي يقوله الكبار

مِن هناك أصيحُ مَن هناك؟
أرى نفسي نفَسَاً
في أوردةِ النساء اللاتي مررن على فمي،
خطوطاً بدائيةً في شريطٍ تقنيٍّ،
غرفاً نيئةً تتعفّنُ فيها المودةُ والأمل،
وأكياسَ عظامٍ يتذوقها الناسُ
ليعرفوا لمن الحنان النائم في بقايا شحمِها اليابس
..
مِن هناك أصيحُ مَن هناك
لزجةً كانت الكلماتُ
لا لقولِها خلف المشاعل والهتافات
بل لاستعمالها في المطابخ
مثل المعادن والسموم النادرة،
وجوه جلودُها مفتوحةٌ
على الأطفالِ مباشرة
كان الرجالُ ذاتهم
الذين يهشّمون أسنانَ أنبياء كذابين
يخلطون النارَ التي تهبُّ
من المصاحف مع الأيام
..
يا لها من أيامٍ
ظننتُ انها ستمرُّ
هي مرّتْ ولكني بقيتُ في مرِّها
..
كثيرةٌ هي الافكارُ في المجلاتِ الصحيةِ
قليلةٌ هي الأفكارُ للأمراض المستعجلة
خوفٌ بخوفٍ وخوفٌ من الخوف

مِن هناك أصيحُ مَن هناك
يسحبُ أسباب الندمِ الصديقةَ المهذبةَ
من وجودِها،
يخرجني من هذا العمى الأحدب المرصوف فيَّ
انه يُنقصُ عمرَ النظرةِ التي ربيتُها
في قلبِ خيمةِ الضوء.

بحكمةِ مَنْ لمْ يَجدْ ولمْ يُوجد
مِن هناك أنظر الى حيث أقف
وأصيحُ مَن هناك؟

*****

________________
لندن أواخر 2018 وحتى الآن

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *