تونس- فضاءات الدهشة
افتتحت جمعية الكاتبات المغاربيات بتونس، بالشراكة مع فضاء كارمن الذي تشرف عليه السيدة كوثر الضاوي (في فندق الكرمل بالبلفيدير)، نشاطها الأدبي للموسم الجديد، باستضافة القاص التونسي عيسى الجابلي، مساء السبت 16 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019.
استهلت اللقاء الشاعرة ريم القمري باستعراض السيرة الذاتية للكاتب عيسى الجابلي، ثم قدمت الكاتبة والناقدة فاطمة بن محمود، ورقة نقدية بعنوان “بين الواقعية والعجائبية في الكتاب القصصي (وقائع ما لم يحدث) لعيسى الجابلي”..
وبحسب الناقدة فاطمة بن محمود (رئيسة جمعية الكاتبات المغاربيات)، فمنذ عتبة غلاف كتاب “وقائع ما لم يحدث” يأخذنا العنوان إلى الغرابة والحيرة فهو يشير إلى حكايات لم تقع، وفي القصص يتحدث عن حكايات على أساس أنها وقعت، وبالتالي فالجابلي يطرح من خلال العنوان، علاقة الأدب بالواقع هل هي علاقة مباشرة أم متخيلة؟
وتحدثت بن محمود عن قصص الكتاب: قصص الكتاب اجتماعية، لكن التعمق فيها يكشف أنها قصص ذهنية أيضا، لأنها تحوي دلالات مهمة جدا وتفتح على القيم الكونية، ومن ذلك قصة “مشيعون في يوم أزرق” التي تتحدث عن علاقة المبدع بالسياسي.
وعن الجانب العجائبي في قصص “الجابلي” تشير الناقدة فاطمة بن محمود إلى “تقديم ما هو عجيب من أجل صدمة القارئ، ولفت انتباهه إلى قضايا انسانية خطيرة، كقصة (خبز وسعيد ومطر) عندما تطير الخبزة، ويبدو أن الكاتب يحث بطل القصة على الطيران بدوره من أجل تحقيق الحرية والتخلص من كل ما يشده إلى حياة الضنك.
وعن دلالة الزمن في قصص الكتاب، أشارت إلى أن هناك ثلاثة مفاهيم للزمن: زمن المرويات؛ زمن الحكي؛ زمن القص، و يمكن تنزيل مفاهيم الزمن على تاريخ البشرية فننتهي إلى أن الأول تمثله مرحلة الخرافة والأساطير، و الثاني تمثله مرحلة النقل والمحاكاة، و الثالث تمثله مرحلة الابداع والخلق.
أما عن دلالة المكان، فالمكان الأثير بالنسبة للقاص الجابلي، هو الفضاء العام (شوارع؛ ساحات؛ حقول…)، وتشير فاطمة بن محمد إلى أن “الكاتب ضد الفضاءات المغلقة، ومع الفضاءات المفتوحة بما تعنيه من حرية وانطلاق وتجدد”.
وعن الأسلوب القصصي الذي اعتمده الجابلي، تذهب الناقدة بن محمود للقول: “يبدو أنه يكتب متأثرا بأسلوب القدامى، وخاصة (النفري) و(الوهراني) اضافة إلى الخواتم غير المنتظرة لقصصه وأيضا الشعرية التي ظهرت في أكثر من موضع في قصص الكتاب، لعل من أبرزها في عناوين القصص (موعد مع القمر؛ خمس رصاصات لنجمة شاردة؛ أحجار في حظرة الأقحوان …)”
واختتمت بن محمود بالسؤال: “هل سيواصل الجابلي في اعتماد هذا الأسلوب (القديم) في الكتابة أم سيتحدى نفسه، بابتكار أسلوب آخر، وإن كان سيكتب الرواية أم أنه سيكتفي بالكتابة القصصية”؟.
من ناحيته، وتفاعلا مع أسئلة الحضور، أوضح القاص عيسي الجابلي أنه في المقام الأول ضد أي قصة بلا أحداث واضحة، كما يرى أن الكتابة الجادة تحتم التركيز في البحث عن الحدث القصصي أولا، ومن ثم العمل على اللغة، وصناعة الأحداث بما يتلاءم مع الحدث ويخدمه.
وقال الجابلي أن مرحلة ما قبل الحكي، هي مرحلة السمع: “أسمع كل ما هو حولي.. ألتقط كل التفاصيل التي تهمني في الكتابة. أنا خريج حكايا الجدات”
ويؤكد الجابلي أن الغاية من الكتابة، هي توفير المتعة وأيضا تقديم فكرة معينة، نظرة شخصية للوجود، موقف من الكون بشكل ما، باعتبار الكتابة عملية جادة بل هي ضرورة حياتية.
وحول مشروع أو فكرة كتابة الرواية، قال: “أفكر في كتابة رواية، و لكن يجب أن تخضع إلى مشروع وفكرة متفردة”.
كما تناول عيسى الجابلي مسائل أدبية مختلفة، بدءا بنشأته وتأثره بأجواء العائلة وحكايات الجدات، ومطالعات المراهقة والشباب التي قال إنها أثرته كثيرا وعمّقت نظرته للحياة، كما تحدث عن عوالمه الابداعية المختلفة، وفسّر علاقته بالكتابة ومفهومه للقصة، وموقفه من الجوائز الأدبية، وعن المشهد الأدبي العربي.
حضر اللقاء مجموعة من الكتّاب والمهتمين من بينهم: د. خيرة الشيباني؛ الباحثة نهلة عنان؛ الروائي نبيل قديش؛ القاصة فائقة القنفالي وآخرين.