فضاءات الدهشة

يهتم بالكتابة المدهشة..رئيس التحرير أحمد الفلاحي

قصة وسرد

أول صفعة حب

علي جعبور

كانت تلك هي المرة الاولى التي وقفت فيها أمام صبية مليحة، وبصعوبة بالغة وصوت خفيض صرّحتُ: أحبك.
ظننتها ستتجاهلني على الأقل أو تشتمني بغضب واضح: “انقلع، حبّوك الجن”
بيد أنها ابتهجت عوض ذلك وأطلقت ضحكة بديعة وساحرة تحدث لمرة واحدة في العمر وقلما تتكرر، ظل صداها يتردد بذهني لسنوات طويلة: إهئ هئ هئ.. ثم مضت مسرعة خلف أغنامها.

في اليوم التالي، تغنيت بإسمها وضحكنا معا، استضلينا تحت سدرة وارفة وأكلنا من ثمرها، جلبنا سبعة حصوات صغيرة وملساء كبيض الحمام ولعبنا بها “الحَكَم”: لعبة يتقنها كل الرعاة.
هزمتها مرة وهزمت قلبي للأبد، شربت من قربتها، ليس لأنني عاطش بل لتسنح لي الفرصة كي أهمس بأذنها: ماؤك عذب.
وفعلت هي الشيء ذاته، وردّت: لكن ماؤك أعذب.

ثم عنّ لي الإقتراب أكثر، أمسكت يدها، هززتها: لا تخافي يا حلوتي، أريد فقط أن أسمع صلصقة أساورك.. طن طن طن طنننننن.. يااااه كم يطربني هذا الصوت.
قربت يدها أكثر، ثم وضعتها بلطف على وجهي.. وفعلتها، فعلتها يا إلهي وقبلتُ كفها.. يا للروعة والزهو والسعادة التي اجتاحتني تلك اللحظة.

لكن.. وما أكثر هذه الـ “لكن” وما أكثر ما تعترضنا بوجهها الشاحب في هذه الحياة اللعينة.. لكن الأشياء العظيمة والرائعة تأبى أن تدوم طويلا، إذ ما إن جذبت يدها حتى علت ضحكة مجلجلة وقبيحة من أسفل الوادي وصاح أحدهم مناديا: ووووو حاج حمود، اخرج شوف “امقهده” ما تسوي.

لم أهرب، ظللت متجمدما أتأمل عينيها الحزينتين وأنتظر مصيري. كان الرجل الضخم ذي المعطف البني يصعد الوادي بخطى حثيثة، كان مخيفا ومعطفه قذرا كما لو أنه ارتداه قبل سنة ولم يخلعه، لا أحد يرتدي المعاطف بقريتنا سوى هذا الوافد الغريب، لكن أجمل ما فيه أن لا فتاة تضاهي جمال فتاته في القرية كلها.

في البيت سألني والدي بغضب: من ضربك على وجهك؟
كانت أذني لا تزال تطن، أشرت الى أسفل الوادي بصمت، وما ثم أن دوى طنين حاد بأذني الأخرى.

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *