فضاءات الدهشة

يهتم بالكتابة المدهشة..رئيس التحرير أحمد الفلاحي

قصة وسرد

والتقينا

هاله عبادي

والتقينا…

ساقني العطر خلفك… أيعقل أنه بقي عالقاً بصدري رغم ما مر من السنين، خطوتان فقط حالت بيني وبين رؤية وجهك، لكني تعرفت إليك…

ساقاك الطويلتان تهربان بك بعيداً عني، عشر من أجمل الدقائق وأنا أركض خلفك، خطوتان فقط حالت بيني وبينك، سبقتني لتدخل المقهى، لحقت بك، لكني بخجل تراجعت، حين اجتزت الباب وارتفعت الأنظار إلي هالني الصمت الذي خيم على المكان بدخولي فغادرت قبل أن تلفت لتعرف ما الذي حدث… ما كنت لتراني بينما عدت أنا عشرون عاماً إلى الوراء ولا زلت أتساءل لماذا قدر علينا أن نلتقي من جديد.

كانت اللحظات التي مرت بنا والأماكن التي جمعتنا تفوق بكثير ما يمكن أن يحلم به أي عاشقان كان يكفي أن نكون معاً لتختفي من حولنا مدن وتنهار جسور لنبقى أنا وأنت ويصير الوجود الفسيح ملك لنا.

فكرت كثيراً وأنا في طريقي إليك…

فلنترك لقاءاتنا تحدث بالصدفة، حاولت كثيراً أن أهرب منك، من إصرار عينيك على ملاحقتي، على اقتحام دواخلي، من نداءاتك المتكررة، ومن استمرار الحوارات التي أجريها معك، والتي غالباً ما أسلمتني لصراعات لا مرئية تنهشني وتمزقني…

تريد أن تعثر على أماكن تجدد سعادتنا، أضحك وأخبرك أني أبحث عن طرق تحدث فيها اللقاءات بالصدفة، أعيدك الى سيارتك السوداء ال ” فولفو” التي كانت تقطع بنا الدروب بسرعة في الليالي الماطرة، السيارات التي كانت تمر بنا تغمز سيارتنا بأضوائها دون أن نختبئ منها كما نحن الآن خجلون مرتبكون.

تأثرت لغيابك في البداية، غير أني تخليت عن قلبي كله، لأنشغل فيما اعتبروه زواج وبعملي، لقد اختصرت الخطط كلها في البيت والعمل، أخبرك أني أصبحت كاتبة، تسأل إن جاء ذكرك في بعض قصصي، أرشدك إلى الكتب لتقرأها، كتبي، جاهداً تحاول أن تعيد لي توازني المفقود، تتطرق إلى ذكريات لا تبدو بعيدة عنك كما هي لي، لم نحتج إلى فندق خمس نجوم تقولها بسعادة، حبنا أكبر من كل الظروف، تعيدني إلى الغابات والقرى الصغيرة والحقول التي يوماً جمعتنا تراهن على ما كان بيننا، ألا تدرك فوات الأوان على أن يعود.

أذكرك بزوجتك وهي تراقب المشهد بحياد، بنظرتها الخفيفة القاسية،  للحظة أحسست أن عقلك منقسم إلى قسمين تماماً؛ عقل غائب عن الوجود وهو الذي كان يحدثني، وعقل يحفظها يؤمن بها يقدسها وربما لهذا السبب، أوقعت شيئاً من سلطة الفواكه على الطاولة وتلوثت زاوية فمي أخرجت منديلاً من جيبك قرب يدك من وجهي أثار زوابع في دمي، أذكرك بزوجي الوفي رغم برودتي، بأسر ستتحطم، ستتدمر أمام عيون أصحابها، بأطفال ليس لهم أي ذنب ليكونوا ضحية خداع، تعاودني مرارة بعدك وقسوته، لكني أصر أكثر على ما عرفت من معنى أسرة دون أن أحرمك ابتسامتي.

فلنتقبل أضرار الزمن ومساوئ الجبن ولتكن لنا في ذلك عبرة تقولها فتنتزع مني ابتسامة ساخرة لاقتناعي باللاجدوى فيما تقول.

أبعد كل الصبر في زواجي الفاشل وبعد تلك الصدمة القاسية لا أنتظر الجواب؟ أتجنب النظر في عينيك وأنسحب.

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *