فضاءات الدهشة

يهتم بالكتابة المدهشة..رئيس التحرير أحمد الفلاحي

كتابات

قصاصة في رواية ذاكرة النرجس للكاتب المغربي رشيد الهاشمي

فتحية دبش*

صدرت الرواية عن دار روافد للنشر و التوزيع2018، تقع في 245صفحة، اعتنى فيها الكاتب بوضع تصدير متكون من ثلاثة مقولات، و قسمها إلى مفاصل كبرى و أخرى صغرى. أما الغلاف فهو من تصميم نور اسلام.
و في هذه القصاصة النقدية سأحاول الوقوف على العتبات بوصفها البوابة للنص.

لم تكن مسألة هينة تلك التي تتعلق بالكتابة الأدبية بشكل خاص و الكتابة بشكل عام.
ذلك أن السؤال القديم الجديد هو لمن و لماذا و ماذا نكتب…
يرى البعض أن الفن يبقى للفن بمحافظته على قيمته الجمالية أولا و أخيرا، فيما يرى البعض الآخر أن الأدب له رسالة لصيقة بهموم المجتمع.
ذلك أن الكاتب لا يكتب تجربته الشخصية بقدر ما يكتب تجربة الإنسان.
فالأدب وحده يضطلع بمهمة اقتسام التجربة الإنسانية و جعلها منفتحة على الذات و على الآخر.
لا يمكن الإمساك بالرواية دون التوقف عند الغلاف: رسم لامراة سوداء، على رأسها اكليل من الزهر(بطلة الرواية) عيناها مغمضتان، فمها منفرج قليلا على خدها الأيمن علامتان، هي على الأرجح علامات اثنية قبلية مازالت متداولة عند بعض الأقليات الإفريقية و الأسترالية تحفظ هوية مهددة بالإندثار، و حافظ عليها بعض الاقليات من العبيد السود.
و إذا كان الأمر كذلك فالغلاف نفسه يؤكد ذلك الخوف البدائي من الاندثار الهوياتي و يخالف رغبة البطلة التي ما فتئت تحاول أن تجد لها مكانا في مجتمع مغربي(عربي) يعمل هو في المقابل على ردها إلى أصولها السوداء و إلى مرتبتها الدونية…
أما التصدير فالأول مقطع من قصيدة ل سان جون بيرس ثيمتها الغربة الحميمية و الثاني ل جاك سالوميه و ثيمته جدلية الكاتب و الكتاب و القارئ أما الثالث فهو ل اندريه جيد و ثيمته صعوبة أن تكون حرا… و هي حقا مدارات الرواية…
جاء التقسيم في مفاصل كبرى اختار الكاتب أن يسميها (حكاية….) و كل حكاية لها أجزاء، و الأجزاء تحمل أسماء الشخوص، و بعضها سماه (الكاتب)، (الراوي)…
بنى الكاتب روايته على اشتغالات سردية مختلفة و لعل أهمها تقانة ما وراء السرد فكانت الكاتب شخصا من شخوص الرواية و كذلك الراوي و حقق بذلك نزوع الرواية إلى ما بعد الحداثة،
أما لغويا فقد اعتنى بتفريعات عن الفصحى باستعماله اللغة المحكية المغربية و أحيانا بعض الكلمات الأجنبية و لكنه في كل ذلك اعتنى بالشرح أسفل النص…
أما عن الإشتغالات الدلالية فقد نجح الكاتب في إثارة جملة من المواضيع التي يتحاشى الأدب العربي الخوض فيها بتزكية من السلطة الدينية و الارادة السياسية و الاجتماعية إلا نادرا و هي الإقرار بعنصرية المجتمع العربي ضد الأسود (المستعرب إذا سلمنا بالأصول الإفريقية و تجارة الرقيق التي مارسها العرب على مر العقود، لكل سود شمال افريقيا حسب مصادر لا تحضرني عناوينها الآن).
تقفو الرواية حكاية امراة سوداء تقع في حب رجل أبيض(لا يريد ان يلطخ شرف العائلة بفتاة سوداء) فيتركها مقابل عطية مادية لا تقبلها و حكاية رجل أسود يقبل الأبيض أخيرا بتزويجه من ابنته البيضاء:
لأنها عمياء…
و( لن يفرق معها ان يكون زوجها ابيضا او اسود فهي على كل حال لا ترى)…
بين الحكايتين حكايات أخرى و لعل أهمها ذلك السر المدفون في الأرض و الذي مهد له الكاتب بجملة من المعتقدات الشعبية و حكايا الشعوذة…
لا أستطيع أن أخفي بعض خيبة لأن مفتتح الرواية و حكاية (المخطوطة القديمة) جعلني أنتظر رواية معرفية خاصة فيما يتعلق برواية سود شمال افريقيا و المغرب الأقصى خاصة لأنها رواية موسومة بعدها بالغموض و كثير من الدم المتكلس بعد على مسارب تجارة الرقيق…

رواية في مجملها مشوقة و سلسة…

________________
*كاتبة وناقدة تونسية تقيم في فرنسا

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *