الرئيسية / نصوص / لا أحد يبتسم لنا

لا أحد يبتسم لنا

صدام الزيدي

لم يعد أحد يسلفنا أو يبتسم لنا.
لم يعد أحد يسأل عنا أو يهاتفنا
متتبعاً أحوالنا وأهوالنا.
لم يعد أحد يقول لنا: صباح الخير
ولا أحد يبعث لنا “اس. ام. اس”.
لم نعد ندري ما الذي استلمناه من رواتبنا
وما الذي تبقى
وما الذي أكله الحوت، طوال الفترة
من سبتمبر 2016 فصاعداً.
لم نعد نفكر في الراتب
ولا في المستقبل
ولا في الماضي
ولا في “جدارية حصار السبعين”
التي رسمها فؤاد الفتيح يرحمه الله.
لم نعد نتذكر عبارة واحدة قرأناها في “اليمن
الجمهوري” لعبدالله البردّوني.
لم نعد نهتم يئس عبدالعزيز المقالح
أم تفاءل.
لم نعد نتابع التلفزيون والأخبار.
ولسنا ممن يهتم بآخر عرض أزياء، حديث اللحظة.
لم نعد صالحين للحياة كما كنا
ولم نعد مأخوذين بفتوحات الفضاء البعيد
ولا يعني لنا جديد التقنية في شيء.
لم نعد نتذكر باسوورد حواسيبنا المهملة،
نسيناها تماماً..
ولم نعد نشحنها بالطاقة -لأنها مفقودة-
أو ننفض عنها الغبار.
لم نعد نفرح لعرس أحد
ويمر كل عزاء في مدينتنا كما تمر سفينة قبالة خليج البوسفور البعيد.
لسنا منهمكين في شيء
ولسنا معلقين بمستقبليات
ولا أحد منا راجع كشف المقدمات والمتأخرات من حساب المؤجر
ذلك لأنها كشوفات لا تحتاج إلى تحديث..
تحتاج فقط إلى قلوب صخرية كلما طرق المؤجر الباب بأيدٍ مرتعشة
وندرك سلفاً أن لا أحد يبتسم للثاني مهما كان الموقف.
لم نعد نشبع
ولم نعد نجوع
ولم نعد نساوم على شيء
قلّ ثمنه أو ارتفع
لم نعد نحفظ قوانين حمورابي
أو حتى ربع قانون منها.
لم نعد نصلي في المسجد
وتمر صلاة العيد ونحن نحلق ذقوننا
مبالغين ان المعجون لم يعد رطباً.
لم نعد نذهب إلى الجزار وبدلاً منه
نذهب إلى “الدجّان”؟
وأراهن أن أحداً في المدينة اشترى دجاجة كاملةً
منذ سبعة أشهر!
لم نعد نلعن ابليس كما كنا نفعل؛
صار واحداً منا
وصرنا نمجد آلهة اليباب
دون أن نعي ما نقول.
لم نعد نبعث التهاني لأحد
ولمن جاءه ولد، نقول: “الله يعينك”.
على انني لم أعد أسمع أن طفلاً جديداً جاء
إلى الحياة في حارتنا.
لم نعد متطلعين ولسنا حزانى
ونصمت حين تشتعل حناجر أطفالنا الذاهبين
إلى المدرسة.
لم نعد نرقص ولم نعد نغني
ولا نستحم تحت الديش
ولا نمارس الجنس -بانتظام- بسبب انعدام الغاز
ونصحو كل يوم على كارثة انصهار الأشياء.
لم نعد نلبس أثواباً جديدة
ولا نشتري جاكيتات تركية
لا نذهب إلى الخيّاط
ولا نهتم ان انقطعت صدفة كم من شميز باتت رقبته على “الكرتون”!
ولم نعد نحتفل بشيء
ولم نعد متعطشين ل “بي دي اف” من مكتبات رقمية
في تليجرام
أو نُلمِّع جزماتنا الباهتة دوماً والممزقة.
لم نعد نفزع لموت أديب
أو لمرض فنان شعبي أسعد الملايين لسنوات
لم نعد نبكي
لم نعد نتذكر أسلافنا أو ننصح أطفالنا
بشأن الحياة والمستقبل
لم نعد نفسبك بحماس ونحذف دردشات الواتس
قبل المرور عليها
ونعتقد أن تويتر “خرّيج سجون”
وانستغرام نذير زلازل.
وحين تمر علينا كلمة “حرب”
نكون غاطّين في نومنا العميق
نحلم بالسمك في زمن الكوليرا.
لم نعد أبناء سبأ ولا أبناء كوبنهاجن
ونكتب لأن سكيناً حادةً مستمرة في تقطيعنا من الداخل.

_______________
15 أبريل- نيسان 2018

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

تلك الحياة

غسان زقطان ذاهبٌ كي أَرى كيفَ ماتُوا ذاهبٌ نحوَ ذاكَ الخرابِ ذاهِبٌ ...