فضاءات الدهشة

يهتم بالكتابة المدهشة..رئيس التحرير أحمد الفلاحي

نصوص

أنا خائب حقاً!

سلمان القباتلي

حسنا عزيزتي
هذه ليست رسالة…
هذه نهدة ملتهبة يقتلعها كسير من أعماق قلبه …
كسير مرغم على السقوط
يهوي في كل مرة يستجمع قواه…
وتتشبث به الأرض كلما استحث خطاه للفرار من الموت أو المقبرة…

عفوا عزيزتي
أنا لست كاتباً
حتى تنشغلي بالمجاز كثيرا
أنا رجل متعب حقا تستر بالكتابة ليذرف دمعه بلا اكتراث متلبساً الأدب والمجاز…

أنا رجل متعب حقا…
بداخله جرح ألف شهيد ينزف!
وحداد ألف مدينة تبكي!
وضياع ألف شاعر يتخبط !
فكيف لمتعب مثلي أن يجمع كل هذا الشتات بقصيدة!

حسنا عزيزتي…
أكتب لك الآن متخبطاً بين الحروف والقصائد ، متخليا عن أساليب الكتابة والبلاغة…
أكتب لك الآن متجردا تماما من الأدب والمجاز …
فما عاد الأدب كافيا لهذا الجرح ، وما عاد المجاز متسعا لكل هذا الألم..
فأنا الشاعر الذي انفق قصيدته للبكاء فخسر قصيدته والبكاء ..

وأنا الشهيد الذي انفق حياته للوطن ؛ فخسر حياته والوطن…

وأنا المدينة التي أنفقت أهلها للسلام ، فخسرت أهلها والسلام…

وأنا المسكين الذي انفق قلبه للحب ، فخسر قلبه والحب…

وأنا الطفل الذي أنفق عمره للمستقبل، فخسر عمره والمستقبل..

فماذا بعد الآن!
فقد خسرنا الآن كل شيء
خسرنا الحب، والقصائد!
خسرنا المدينة، والشهداء!
وخسرنا الماضي والمستقبل!
فماذا بقي لنا لم نخسره غير هذا الضياع!

عفوا سيدتي
لست كاتباً حقاً!
ولم يسبق لي أنا قرأت في الأدب، ولا أن أوليته أي اهتمام…
أنا من قرأ في الهندسة كثيرا..
أنا من بنى مستقبله كمدينة فارهة الأحلام…
أنا من شيد أحلامه كقصور
فاخرة الحدائق…
وأنا الفتى الذي استغفله الأمل واستغرقته الأحلام، ولم يستيقظ إلا وهو يصارع مستقبله مكتوف الآيدي…

فأين مستقبلنا الذي وعدونا به!
لقد انتظرنا كثيرا مستقبلنا الذي جملته لنا الجامعات!
انتظرنا لحظة التخرج وكأننا سنصافح المستقبل فيبتسم لنا…

أنا الآن في المستقبل تماما…
أكتب لك عن فقره وجوعه
وعن فراغه وضياعه..
وعن سواده وحزنه…

والحسرة ياعزيزتي:
هي أن تلاحق المستقبل وهو يزداد شروداً
، والخيبة هي أن تدرك المستقبل فتجده أسوأ من الماضي…

فأنا خائب حقا!

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *