نجيب الورافي
هل أهاتفه اليوم؟
– لا بل غدا وغدا لا مجال
فراغ هو الكون من صوته
يا صداه الذي كان أخضر
أخضر مثل التلال
فراغ هو الأفق
من ظل غيمته
وفراغ هو البحر
من لون ضحكته
وفراغ هي الكلمات
التي آنست ضوءه كالهلال
فراغ هو الشعر والأغنيات
فراغ أنا من أبي
ومن ثرثراتي له عن شتاتي وحزني
عن كبواتي الكبار
وعن نزواتي الصغار
***
أكلمه فرحا مثل طفل
وأنسى أمامه أني ابن خمسين
أحرقتها كلها مثله في الهباء
وبأني كبرت
شببت عن النوم في قلبه
وافتراش مواويله
حتى يأخذني الحلم
أدخل في جنة
من فوانيس حب
أذاك الذي كان يأوي إليه صباي
ضياء أبي
أم أنامل رب؟!!
تهدهد روحي
تطير بي حتى الخدر
ومتى الليل حل ليعرج بي
في كوابيس مجنونة
لا أبالي.. كأن سريري قربه
حضن النجوم
كأن لحافي عيون القمر
***
أحدثه نزقا مثل طفل
وألهو فأنسى باني ابن خمسين عاما
وأني قريبا سأرحل
في طرقات الكهولة
مازلت أحتاجه كالصغار تماما
وما خلته فيه من وهن العظم والشيب
ما خلته من وقار علي
ومن سلطنات رجولة
قد كان محض هراء وغي
أليس زمان الأبوة
مهما يكون
ومهما يكون عليه ويصبح
شأن البنين
هو عرش أمان وقوة
إن ظل أبي
هو حضن الأمان الوثير
وصيف الأماني الخضير
ونهر الزمان الكثير
***
هل ستفتح هاتفك الخلوي؟
تباشرني بالسؤال عن الحال
كيف العيال؟
فأبكي وأشكو إليك
بأني وحيد وأن سماء انتظاري
بموتك ماتت
تداعت مناي
جميع الخلائق حتما تموت
يموت ذوو القربى
الأصدقاء الأحبة والآخرون
جميع الورى يرحلون
فما بال موتك هد قواي
تكسرت الروح
ألقى ربيع القصائد
أشجان ألوانه للأسى والسكوت
بأي قوى سأقارع غل المدينة
هذا المرابط حولي كغول
بأي هوى سوف أفتح
نافذة القلب للأصدقاء؟
وأقوى على غسل ليل اغترابي هنا
واشتياقي إليك…
أبي.. إن حزني عليك
كذئب يعض دمي
ضاريا يتمادى
يروعني مثل هول
يا ظلمة الموت يا طعنة القبر
هل تسمعين صداي
***
متى سوف تفتح هاتفك الخلوي
تجيب كما كنت
كانت حروفك والنبر تسكرني
-هااا ألوه
هي الآن روحي تجهش قبل دموعي
تسيل خطاي
أخيط الشوارع
مثل صغير يتيم يتيه
يقلب كل الوجوه
لعله يعثر عما بها من أبيه
يطوف بعينيه جوف الفضاء
يفتش عن جهة يأتي منها أبوه
ويحكي مع العابرين
بأنه كان هنا
ومر هنا في الشروق
فما بالهم غربوه
***
لماذا تركت فضاء الأثير يتيما
من الكلمات المضيئة
لي والصلاة
كروح الإله
ترافقني في الغدو وعند الرواح
تصير سمائي الكثيرة
تحرسني من وساوس نفسي
ومن شر طاعونها الهمجي
ومن صبوات المتاه
تبلسمني من جراح الحياة
لماذا نسيت اشتياقك
رد السلام
هجرت رنين السواقي
بقلب الحقول
حنين البكور لهمس الحمام
وتلك صغار الزروع
التي بذرتها يداك
لماذا هناك تنام
بعيدا عن الصيف محنية القلب؟
كيف رحلت
وفاجأتها بانطواء الغمام
***
أكلمه هرما مثل كهل
أشكو إليه التعب
جحيم الغلاء
دموع الجياع
بلادا تمر
على صهوات جراد
وتسقط في فوهة الحرب
أحكي له عن زمان النفاد
وعما به من كرب
فيخضل مثل العصافير
في شجر من حبور
يحدثني كيف حينا يجيئ الغبار
بحزن وجدب
وعن مطر قادم
في شفاه الرياح
وعن خضرة الصيف
علان
عن رقص ألوانه
وغواياته للقلوب
أكلمه عن زماني
أشكو إليه عنائى الكبير
فيخضل مثل العصافير
في قطرة من سرور
يحن لصوت الرياح
ويهفو لبشرى الغلول
يحدثني عن زمان السيول
كيف تجنى المحاصيل
من عنفقات الطلول
– إذا كان للشر يا ولدي ألف درب
فثق أن للناس في آخر الأمر رب
***
هل أهاتفه اليوم؟!
– لا بل غدا
وغدا لن يجيب
ندائي البعيد
هي الشمس تشرق كل صباح
فما بالها يا أبي الآن
بعد رحيلك قد أسرفت
أبدا في المغيب