فضاءات الدهشة

يهتم بالكتابة المدهشة..رئيس التحرير أحمد الفلاحي

نصوص

ما بنكهة الموت

شيخة حليوي
*******
في قريتي البدويّة
بين سجن الجلمة والمنصورة المنهزمة
تدفّق ماء الحياة فجأة في الأنابيب العاقرة
بُعثت القرية من رمادها
بعثا مؤقّتا
لم يكن ذاك سحرا ولا معجزة:
– لقد “سقط” الجنديّ البدويّ الأوّل في حربنا أمام عدو شرسٍ.
– فليكن ذكرهُ طيّبا
مؤبّدا.
“وكانت الأرضُ خربة وخالية”
قالوا: فليكن ماء عذب في قريته
وكان ماء.
صارت النساء تسبقُ الفجر وتملأُ الجرار بماء حيّ
قبل أن يتنفّس الموت في أنابيب
تُزاحمُ جنديّا بدويّا على قبرٍ
آمن.
وكنّا بدوا مخلصين:
نرضعُ حليب الأم ونشربُ ماء الخِصيان.
نولدُ بأعضاء تناسليّة سليمة
ولسان أخرس.
في الصباح يرفعُ العجائز صلواتهم للمنّان
في الليل يربطون أقدامنا وألسنتا إلى عامود البيت.
وأنا كنتُ أصلّي لموتٍ جماعيّ في قريتي
لعلّه يجلبُ نورا باهتا لأكواخنا الهشّة
موت يخلّفُ نورا.
لكن كلّ الّذين اختاروا الموت بعيدا عن حروب إسرائيل
شيوخا وشبابا
لم يجلبوا معجزة النّور.
أعدُّ: ميّتا واحدا، اثنين، ثلاثة، عشرة…
كم ستكلفنا حفنة ضوء؟
أعدُّ: موتا واحدا، موتيْن، عشرة…
رحت بسذاجة أسأل جارتنا اليهوديّة
من قرية الرّي:
كم جنديّا كلفتكم ليلة مضيئة؟
اكتفت بنظرة غبيّة وعادت تُحصي حسنات الملوخيّة والكزبرة.
(ماذا تخرّف هذه البنت؟)
جرّافات عملاقة جمعت القرية في كومة ودودة للبيئة
برعاية طيّبة من جيش إسرائيل.
جارتنا اليهوديّة رحلت عن عالمنا
أنا رحلتُ إلى يافا
تعلمتُ شيئا وبعض شيء
عن العالم الحقير
وما زلتُ أخرّف مع طفلة تسكنني:
– رأى المنّان أنّ الظلام حسنٌ
– وكان ظلامٌ.

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *