فضاءات الدهشة

يهتم بالكتابة المدهشة..رئيس التحرير أحمد الفلاحي

قصة وسرد

تخيل معي!

منال الشيباني

 

تخيل معي..

لو أنّ هذهِ المدينة أصدرت قراراً بـ حَظرِ التفكير؛

حتى لا يؤدي بكَ هذا الدربُ مِن النشاطِ الذهني إلى مواردِ التهلكة..

وفي سبيلِ ذلك

تمَ تدريبُ وحداتٍ خاصة؛ لـ ضبطِ سيرِ الأمورِ كما يجب..

أطلقَ عليها من بابِ الأدبِ والخشيةِ مصطلح

“جهاز الرقابة”!

 

وتخيل أيضاً  

أنّ الإمساكَ بكَ متلبساً بـ تهمةِ “التفكير” يُخضِعكَ للعقوبةِ القانونية..

أي بشكـلٍ أدق

(( تعطيلُ دماغكَ والاحتفاظُ بهِ في غرفةِ خاصة ))

مقابلَ إطلاقِ سراحك،

وحتى تعودَ لـ تمارسَ حياتَكَ الطبيعية،

ولكن بـ شكلِ مختلفِ هذهِ المرة؛

 

إليكَ مثالاً على ذلك

في حصةِ العلوم، يخبرُ المعلمُ تلاميذَهُ 

” أنّ الماءَ لا لونَ له “

وهنا يكتفي الجميعُ بـ التدوين

دون وحسب!!

إذا فكرَ طالب أن يرفعَ يدهُ لـ يسأل:

إذن لـ ماذا نرى البحرَ أزرق؟!

لَـ ظن الجميعُ أنه من كوكب آخر، ولَـ أحِيلَ للمراقبةِ والتحقيق..

وهكذا يتوقفُ الطلبة عن السؤالِ والنقاشِ تدريجياً،

فـ الأغبياءُ وحَدهُم مَن يسألون!!

 

كُن حذراً وأنتَ تجلسُ في إحدى الحدائقِ العامةِ؛ لِـ تقرأ؛

إن استَشعَرت أجهزةٌ الرقابة نشاطاً ذهنياً بسيطاً يصدرُ منك،

لَـ صِرتَ مجرماً في دقائق!!

إنّ الكتبَ هنا أخطرُ مِن الممنوعات،

ولا يُسمحُ للكتبِ بـ التداولِ إلا بعدَ أن تمرَ بـ أجهزة خاصة تتأكدُ مِن أنها تخلو تماماً من “التفكير”!!

لذا فـ الأفضل لكَ ألا تقرأ.

 

وأنتَ تتبضع

حافظ على ولائكَ للسلطةٍ دائماً؛

إطالة النظرِ يعدُ دليلاً آخرَ على التفكير..

لا يجبُ أن تفكرَ فيما يضرُكَ أو ينفعُك !!

تناول أولَ شيءٍ تمد إليهِ يدكَ، وانصرف

كُن مواطناً صالحا!!

 

لو أني أقدمتُ على نشرِ هذهِ الكلماتُ ع صفحاتِ التواصلِ الاجتماعي،

لـ أصبحتُ إرهابياً يتصدرُ الصحف، 

وَلَـتَمَ اعتقالي بعدَ ذلكَ مباشرةً بـ تهمةِ التحريض!!

 

أنتَ تتخيل.. إذن أنتَ تفكر!

وبدونِ خيالٍ تجفُ منابعَ الإبداع.. 

 

ومجتمعٌ لا يفكر.. لن ينتج.

سـ يعتمدُ دائماً على الغير،

ومِن المحتملِ أن ينضربَ اقتصادهُ مراتٍ عدة،

ويعيشَ أغلبيتهُ تحتَ خطِ الفقر..

 

أن تعاني الفقر.. الجهلَ والتخلف.. الاضطهاد.. القمعَ و الخوف

ليس مهماً!

المهمُ أن تظلَ بـ أمان،

والتفكيرُ أولُ ما يعرضكَ للخطر..

 

تخيل لو تضاعفَ الأمر فجأةً هذهِ المرة

أنباءُ عن ظهورٍ متمردين..

المتمردون يعقدون جلساتٍ ليلية في مكانِ ما..

حالة ذعرِ تسودُ الشوارع..

السجونُ تعجُ بـ المشتَبهِ بهم..

الدولةٌ تعلنُ حالة الطوارئ..

دورياتُ مكافحة التفكير تجوبُ شوارعَ المدينة..

المتمردون يعلنون قيامَ ثورة..

الهتافاتُ مدوية..

قنابلٌ مسيلةٌ للدموع..

غازاتٌ محرمةٌ دولياً.. 

وابلٌ مِن الرصاص..

اشتباكات..

والمزيدُ من القمع..

المزيدُ من القمع..

المزيدُ من القمع..

والثورة تكبرُ وتكبر..

 

لكنّ شعباً لا يفكر 

مِن المحتمل أن يركضَ وراءَ حتفهِ..

والقانونُ لا يحمي المغفلين !!!

 

تخيل فقط

تخيل..

 

ماذا لو كانَ الأمرُ كذلك؟!

_________________

*بقايا حرب//3

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *