رعد السيفي
إلى
أحمد عبدالصّمد البصري…
كانَ يعرفُ أنَّ الطّريقَ سيُفضي
إلى منزلٍ موحشٍ
يومَ صادفَ في معطفِ الخوفِ برقاً
يَمَسُّ مرايا الحقيقةْ!
برفقٍ تَتبّعَ زرقَتَهُ
تَفَقَّدَ وجهَ المدينةِ
أحصى ندوبَ الظّلامِ،
أنينَ المرافِىءِ، حزنَ النّخيلِ، غبارَ الخريطةِ،
جيشَ الأراملِ، عُمْيَ الكواكبِ، نَسْلَ الرّمادِ،
رمادَ المباهجِ، و غدرَ الكواتِمِ في فُوّهاتِ العَدَمْ؛
ليَصْعَد في لحظةٍ
قمراً حالماً من سِلالةِ أوجاعِنا
توغَّلَ في الغيمِ تحتَ ذهولِ الرُّماةِ
ليتركَ فوقَ سماءِ المدينةِ وشماً،
و مرآةَ ضوءٍ بعيدْ
حيثُ مرَّ أبوهُ هُنا!
ذاتَ حربٍ بعطرِ الهواء
لِيَعْلَقَ خيطُ الدّماءِ بأفقِ المدينةِ ثانيةً،
و يبقى يذوبُ بدفءِ النّشيدْ!
كانَ يدفَعُ باسم البلادِ
ينادي على وطنٍ غَيَّبَتْهُ العباءاتُ
في بحرِ أسرارِها!
يُلَمْلِمُ وجهَ المدينةِ من وحشةِ الموجِ
يفنى بظِلِّ النّوافذِ، و هي تُبعثرُ ألوانَها
فوقَ أمواجِ شطِّ العربْ
صارَ يمتدُّ في زرقةِ الأُفقِ
قوسَ لهَبْ!
كانَ أحمدُ ذاكرةً للحَطَبْ!!
-بينَ ماضٍ تعطرَّ بالموتِ يوماً هناكْ،
و آتٍ تجلّى بموتٍ نديٍ
تهاطلَ من أُرجوانِ الشّباكْ!-
سَتزهُرُ في صمتِ أطفالِهِ،
وَهُمْ يستعيدونَ غيماً
تَقَمّصَ ذاكرةً من طقوسِ الغيابْ
تراءتْ بلافتةٍ في السّوادِ
تُؤبّنُ ماءَ الكواكبِ
فوقَ سياجِ الحديقةْ؛
لتوقظَ جمرَ الحقيقةْ!
ليبقى الصّغارْ
في انتظارِ الفراغِ
عند بابِ الفجيعةِ
يلتقطونَ الجمارْ
يعبّونَ حرقةَ أعِينهِم،
و هم يُبصرونَ اندثارَ أزاهيرهِم
في انتحابِ القِفارْ
في الطّريقِ إلى المقبرةْ
تَحَسَّسَّ أنَّ هنالكَ
ما يُشبِهُ الضّوءَ يتبعهُ
كانَ خيطُ الدّماءِ
يضيىءُ المسافةَ حتّى
بلوغِ جنائنِ وادي السّلامْ
كانَ أيقونةُ الصّوتِ
يُحصي الرّصاص الذي طالهُ
تفقّدَ جُرحاً تغوّلَ في الرأسِ
شاهَد من شرفةِ الموتِ
حشدَ النّوارسِ
يفضحُ في أوّلِ الّليلِ
سرَّ الكواتمِ، و هي تُفاجيءُ أحلامَهُ!
كانَ يسمعُ شهقَتَهُ،
و انتشارَ الزّجاجِ على الأرضِ،
همهمةَ النّاسِ من حولهِ
أنينَ (صفاء)* الذي
ظَلَّ يُمسِكُ في إصبعِ الموتِ
كي ينثني!!
كانَ يعرفُ غدرَ الكواتمِ
يُصغي لذاكَ الدّبيبِ الَّذي
راحَ يفتحُ في الرأسِ نافذةً
تُرشدُ الموتَ،
تُقْلِقُ نومَ العصافيرِ،
تهدمُ جسرَ المواعيدِ،
تكسِرُ لونَ الحضورِ،
و تمحو الرّسائلَ حتّى يسودَ الظّلامْ
كانَ أحمدُ يكتبُ بالصّمتِ
فَصْلَ الختامْ
رأسُهُ ظَلَّ مُنْشغلاً بالسّكونِ،
و عيناهُ شاخصتانِ
لوجهٍ تَلَثَّمَ بالخوفِ خلفَ الكواتمِ،
مرَّ كثيفاً كأسمالهِ!
أَطَلَّ كمسخٍ جوارَ الرّصيفِ؛
لِيُطلقَ صوتاً تَشَظّى،
فَخَلّفَ نهراً تبعثرَ في الرّيحِ
من دونما وجهةٍ أو مآلْ!
في الصّعود…
تَمَسّكَ أحمدُ بالحُلْمِ في دعةٍ،
و هو يفتحُ ألوانهُ
تراخى، و أغفى
كطيفٍ تَضَرَّعَ صَمْتاً
لوهجِ الخيالْ
كانَ سرّاً تغلغلَ في الأفقِ
ظَلَّ يُفَتِّشُ عن وطنٍ
غَيَّبَتهُ العباءاتُ في الظُّلماتِ،
فراحَ ينادي..
بلادي..
وبينا يُحَدِّقُ في حُلمٍ
غارقٍ في الرّمالْ
استفاقَ؛
ليغفو قُبيلَ ارتدادِ السّؤالْ!!
*الشهيد صفاء غالي
هيوستن
١٣/١/٢٠٢٠