فضاءات الدهشة

يهتم بالكتابة المدهشة..رئيس التحرير أحمد الفلاحي

نصوص

ثلاث غيبوبات

جميل مفرِّح

 

(1)

دويُّ نذالة يتناهى زحفُهُ من بعيد..

صدىً باهتٌ للعناتِ سيّدةٍ مُسنَّةٍ في الجوار…

مسارُ وميضٍ لجمرةِ سيجارةٍ تسقطُ بهدوء على مكانٍ ما من الطرف الآخر للمدينةِ الملعونةِ بالنُّعاس..

شريطٌ أحمرُ يتمنطقُ خصرَ مذيعةِ الأخبار التي تلهجُ عيناها الملونتانِ ببشرىً طازجة…

عاااااجل:

البُغاةُ يتبرَّعون للجوعى بقنبلةٍ ثمينةٍ جداً.

 

(2)

هذا الشارعُ لم يعد يُشبهُ شارعَنا..!!

هناك خليطٌ من الروائحِ المتداخلةِ التي لم يعهدها:

بارود.. رماد بشر.. أجسادٌ مُتحللةٌ.. دخانُ بواكي..

عوادمُ افتقاد.. غبارٌ خانقٌ من الفواجعِ التي لا تنتهي…

لم تعد سبُّوراتٍ مفتوحةً

لمُشاكساتِ الصِّبيةِ وذكرياتِ الشُّبانِ المُتعاشقين..

غدت معرضاً مُرتَّباً لصورِ من أكلتهم الحربُ

وللشتائمِ والشِّعاراتِ السِّياسيةِ الخادشةِ للحياة..

الأرصفةُ تحوَّلت إلى توابيتَ لضحايا الفراغِ والفزعِ والفاقة..

الأطفال كبروا.. اشتعلت في رؤوسهم الشيخوخةُ

فصاروا يتحدَّثون عن البنادقِ والرَّصاصِ والجُثثِ والمقابرِ…

كان هنا بقَّالٌ وفكهاني وصاحب مقهى

ذهبوا جميعاً إلى جبهةٍ من جبهاتِ الانتحارِ ولم يعودوا حتى اللحظةِ..

كان هنا حياةٌ وشارعٌ وبشرٌ وذكرياتٌ… وأنا

و…، أشياءٌ أُخرى غير هذا الجحيم.

 

###

(3)

رذاذٌ وذرَّاتٌ..

وبقايا مشاهدٍ ضبابيةٍ

تتأرجحُ متكاسلةً على مقعدٍ من زفير،

لطخاتٌ مُتجاورةٌ من بخارِ الماء،

أجفانٌ تعصفُ بالمارةِ المُنهَكين..

في هذه الرِّيحِ المُتعبةِ حد الاحتضارِ

اجتمعَ الثلجُ والرملُ…

وكائنٌ آخرٌ لا يبدو كشيءٍ غير الأنينِ..

المطربُ مُكمَّمٌ فمُهُ بالملل،

الراديو مُصابٌ بسعالٍ ديكيٍّ مُزمن،

والهاتفُ في إجازةِ إصابةٍ مفاجئة..

الجريدةُ سال حبرُها

وتجمَّعَ في بقعةٍ بحجمِ وشاية،

القنديلُ مغشيٌّ عليه

ينازعُ الموتَ جوعاً وبرداً،

القلمُ مشغولٌ بموجتي إسهالٍ وقيئٍ

حادَّتين..

………….

و…، أنا..؟!

أنا أكتفي بالاستدارةِ كإطارٍ متهالكٍ

حول هذا المشهد النازفِ..

أنسى أنَّني أتظاهرُ بالنوم،ِ فأتثاءبُ..!!

وبالرغم من اكتشافِ ذلك الخطأ

أظلُّ كما أنا….،

في انتظارِ عابرٍ يوقِظُني.

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *