فضاءات الدهشة

يهتم بالكتابة المدهشة..رئيس التحرير أحمد الفلاحي

قصة وسرد

خوارزميات

نذير معيوف

 

واحد، اثنان, ثلاثة.

لطالما كانت تلك هوايته المحببة, عد الاشياء وحسابها.

وجد ان اصابعه وحركة شفاهه كلما طالعت ظاهرة ما احصتها , ارقام لوحات السيارات , الاشخاص المتواجدين امام صانع الخبز , المصلين المرصوفين مثل جدار خلف إمامهم , كان يرتبهم بارقام في ذهنه ويستعيد الرقم مع نفسه لاكثر من مرة.

هوايته غير مكلفة ولا تستلزم اية متطلبات مادية سوى التقاط صورة للحدث في مخيلته وتحويلها الى رقم عددي وتغليفها في ذاكرته ورميها الى الخلف دون استعادتها مرة اخرى.

عدم جدوى ما يهتم به جعله يبقي الامر سرا دون ان يطلع احد على لذته العددية.

كان نشاطه لا ينحصر بوقت ولا حتى بأشياء محددة , فهو يرى كل الأشياء قابلة للعد حتى تلك الاجساد التي كانت تستنزف كل طاقته الادمية لفرط إثارتها. يراها قابلة للترتيب وفق رقم محدد , مثلا عدد المرات التي من الممكن ان يشغله فيها عطر نفاث يحسه انطلق من احمر شفاه غامق مطبوع على تلك الوجوه المشعة كان يجد له عددا معينا ينطلق منه واخر يغلق به حساباته. ثم يبدأ في تفصيلة اخرى تكمل ذلك الهوس الغريب نحو الارقام.

لا يعرف بالتحديد تأريخا معينا يؤرخ به تلك البداية التي معها انطلق في تلاوة ارقامه. لكن وجد نفسه مشحونا بالعد مثل ماكنة. ربما انا ماكنة تطورت وتسير وتمتلك رأسا، لكن أينفع ان تمتلك الماكنة رأسا؟ هل من الممكن ان تنفجر المياه من عين ماكنة وهي تلتقط صورة كيس اسود تبرز منه قدم بيضاء يؤطرها طوق ذهبي لامع قذفت قرب كومة النفايات في مدخل دربهم؟ سأل نفسه وقد صدح صوت المأذنة عاليا (الله أكبر) وهو متسمر امام تلك الضحية داخل ذلك الكيس…وبطاقته الشخصية ترتجف تحت ساقيه.

يومه ثابت مثل مرساة سفينة مهجورة على سواحل بحر , غرزت في ذلك الرمل الناعم منذ ان انزل بحاروها اخر كيس توابل وثقبوا وسطها وهجروها بعد ان شاخت دون ان يورثها الملح سوى ذلك اللون الأحمر المنطفئ.

هو مثقوب من كل جوانبه حتى اخيلته وذاكرته تعاني من ذلك العطب الناتئ مثل (حربة) البندقية التي سلمت له ليحرس مخزن المؤن الخاص بكلاب الصيد في معسكر جنرالات المدن , لانه لم يكن صالحا لاعتلاء سواتر التراب في اخر حرب.

سائب في زواياه المعتمة يطارد مثل رباعي القوائم رافعا ذيل ايامه الى اقصاها ملوحا بها في حركة دائرية تحاول التقاط وجوه تألفها , تنبح رغباته بحشرجة مخنوقة سببتها تلك العظمة التي القيت في دربه ذات جوع والتقطها فرحا فحشرت في بلعومه.

في زمن الجوع لا خيار امامك سوى ان تشرع غرائزك لتمتلئ.. لست مؤهلا ان تمنح نفسك الاختيار. انت في حلقة الاخرين مستلب وخاضع لتلك المظلات تتنفس من فوهة قدورهم وتقف هناك في منظر مثل سرب طويل من الجرذان غادر دهاليز المجاري طمعا في عفونة السطح.

فتح فمه المتيبس والممتلئ بالقشور امام اول جزرة لوح لها به بعد ان تورمت مؤخرته من عصي الاذلال. كانت فرصته الوحيدة ان يملأ كيس يومه وان يستغل موهبته التي اتقنها.

اعلان امام (ثلاجة الموتى) لفرصة عمل للذين لا يستخدمون قلوبهم سوى مضخات للدم.. نضمن لك الهدوء التام في عملك ولن تسمع سوى صرخات الوجع من بعيد وانت تنعم بنسائم باردة ممزوجة بطعم الاجساد الطرية , لا تحديد للعمر سوى ان اصابعك العشر متوفرة.. 

 

ملأ استمارة القبول وأحصى اصابعه تاركا توقيعه امام ملاحظة كانت بلون احمر اسفل الورقة.

لا يمكنك الفكاك من مصدر رزقك إلا بعد ان تسمع ضحكة تنطلق مدوية من بياض أسنان الراقدين.

فبكى هو………..

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *