فاطمة برجي
مرة واحدة في الأسبوع يمر بها صباح إسمه “السبت”
الجيران يقولون للشرطي الذي يركن سيارته قرب الرصيف ويقفل الأبواب بمفتاح التحكم عن بعد: أتى الشتاء, هذا العام أيضاً, وولّى زمن الأكمام القصيرة والنزهات على ضفاف البحيرة…
بعد ليل طويل, بين الأماكن الخطرة تحت الجسر وأماكن أشد خطورة خلف جدران المحطة, لا يريد الشرطي شيئاً آخر سوى النوم.
لا يلتفت إلى الستائر المسدلة فوق النافذة الغربية من شقة الطابق الثاني, لا يرى اليد الرقيقة التي تزيح الستائر ولا يعبأ بصدع صغير في سور الكنيسة ولا يلتفت إلى زهرة بيضاء قاومت الصقيع والثلج عدة سنوات…
منذ انتقاله إلى هذا الحي, اعتادت عليه وباتت تعرف ليلته من وقع خطواته ومن آثار العجلات….
وهكذا…
ما علق أسفل حذائه الثقيل وعجلات سيارته من وحول وطين يشي بأنه كان يطارد المهربين على الحدود, أما اذا كان هناك آثار دماء فهذا دليل على أنه قضى ليلته في مطاردة الحشاشين والمدمنين الذين لا يتورعون عن رمي الإبر المستعملة في الساحة العامة وفي ملعب المدرسة…
تقول له الزهرة: ما أجملني وأنا أولد كل صباح في الأماكن المنسية والخفية والمجهولة!! في شق صغير بين الشارع المقفر والرصيف أو صدع صغير في كنيسة لم يعد يزورها أي أحد
حتى السنين التي لا تترك أحداً من شرها ولا خيرها, تمر بي ولا تراني!! لا يكسرني الهواء العالي, لا تهزني العواصف، لا يصل إليّ سوى وقع الخطى…
الثلوج تسقط وتذوب ثم تسقط ثم تذوب وتكاد لا تميزني عن نفسها من حيادية البياض.. حتى الشمس لا تصل إلى هنا بل تحجبها عني جدران المبنى العالي
” أليس جميلاً أن نحيا إلى الأبد في الظل؟ فالأبد في النهاية هو… الأبد!”
تقول الزهرة للشرطي إلا انه لا يسمعها ولا يلتفت… إذ كان كل ما يفكر به في تلك اللحظة الفانية هو… النوم!