هالة عبادي
امرأة رائعة، رقيقة و دافئة، دافئة للغاية، كانت أكثر شفافية مما يمكن التنبؤ به، فمن ابتسامتها العريضة الواسعة كان بوسع المرء سبر أعمق المواضع من روحها الجميلة المرحة، ولهذا ظل طويلاً يردد لن أنساها ما حييت.
اعتادت العطاء وكان هذا يجعلها تشعر ببالغ السعادة، بصراحة لم يكن لديها وقت للتفكير بغير الحب حتى بلغت من الحب حداً مخيفكاً ، تجلى ذلك أوضح ما يكون وقت الحرب فكان همها ألا تزعج أحداً ممن حولها وليس بوسع أحد أن يفعل أفضل من ذلك وقت الحرب.
استبد بها الحلم _ ولعل هذا كان الشيء الوحيد غير اللطيف فيها _ إذ أضفى على حياتها مسحة خاصة فبدت حمقاء كما بدت فاتنة.
كانت حرباً قاسية هاج بحر الدم فيها كثيراً وطغى الخوف والموت، كان القصف يسبق الصباحات فيجثو الموت على صدر المدينة وتتنكر الأرض للماشين عليها حين تبدأ البيوت بالتداعي والسقوط وحدها لم يكن يرهبها هذا كله متعلقة بأمل أن هذي الحرب لن تتأخر.
لم يعد بي رغبةٌ للاستمرار، كم أتوق إلى السفر بعيداً عن هذي البلاد، لكن ضحكاتها التي تتكرر كومضات أمام عيني تمنعني، وجهها الذي أبى أن يغطيه التراب كيف أنساه.
بعد سويعات من القصف خرجنا نحدق فيما خلفه من دمار ونحاول أن نمد يد العون للناجين، اللعنة إنها هي، لقد تكشف الردم رغم قسوته عن ابتسامتها وعن عينيها مشرعتين نحو الحلم وحده الدم النازف من أذنيها كان يحكي النهاية…
بعد كل هذا أعتقد أنه ليس غريباً أن أذكرها كل ليلة قبل أن آوي إلى الفراش.