فضاءات الدهشة

يهتم بالكتابة المدهشة..رئيس التحرير أحمد الفلاحي

قصة وسرد

السماء غاضبة يا مراسيل

مسيرة سنان

 

تقف مراسيل على نافذة غرفتها المطلة على الشارع الرئيسي؛ متشحة للصمت..
تلهو بخصلة من شعرها، تمسح بأصابعها حبات المطر التي تعلق على الزجاج.
الغيوم الحبلى تتكاثف في السماء مشكلة لوحةً من الانتظار الذي يعقبه مجيء الخير…
بإمكانك أن ترى من خلال الأفق الملبد بالمطر أوجهاً مختلفة من الأحلام؛ وبإمكان عينيك المجردة أن تنفلت بسلاسة قاطعة كل قطع الضباب المتجمعة حولك لترى وجه الطبيعة وهو يبشر ببسمة مختلطة بقدوم الحياة مجدداً..
بدأ المطر بالتساقط؛ وبدأت مراسيل بالانسحاب من أمام النافذة ببطء..
-السماء غاضبة يا م.راسيل..
صرخت جدتها بصوت مرتعش وهي تطرق باب غرفتها.
-الغيم ينجب المطر.. والحياة كذلك ياجدة..
اطلقت مراسيل كلماتها لتستقر في قلب جدتها لتسمع بعد ذلك انسحاب خطواتها إلى الوراء.
المطر صلاة وهو اغتسال الأرض من الذنوب والأوساخ العالقة في أعماقها..
عادت مراسيل إلى النافذة تأخذ شالها وتمسح به ماسقط من دموع الغيم؛ عاقدة حاجبيها..
بينما عاد صفاء الزجاج ؛إذا بها تلمح على سطح المنزل المجاور “شهاب”أحد أبناء الحي وهو يمسك المظلة بكفه، ويفتح مجرى للماء المتجمع على سطح منزله بكفه الأخرى..
كانت كفه ملفوفة بالشاش، بينما يحاول إزاحة التراب بها؛ إذ بالمظلة تسقط منه، ليبلله المطر ويجعل من شعره الطويل السلس يلتصق على جبينه وخديه…
– ..اللعنة..
يشق صوته سمعها وهو يضغط على كفه الملفوفة؛ بينما المطر يتلاشى شيئاً فشيئا…
يرفع رأسه والقطرات تنزلق على صفحة وجهه،
ليلمح طيف مراسيل خلف النافذة..
كان الزجاج معتماً وعيناه تتعمقان في التحديق حتى كاد يخلق وجهها من فراغ النافذة الزجاجي..
نظراته الثاقبة اخترقت الزجاج، حتى وقعت مراسيل على الأرض وهي تحاول التراجع
للوراء؛ حاولت التملص من عينيه لتقع في وجع التواء كاحلها..
تصرخ وهي ممسكة بقدمها المصابة؛ تتصبب عرقاً وثمة سهم استقر في قلبها…
تفتح الجدة الباب تدخل مسرعة لتجد حفيدتها ملقاة على الأرض بأنفاس متسارعة .
-ماذا حدث لك ..لماذا أنتِ هنا؟
تسألها الجدة .
-غضب السماء ياجدتي ..ألم تحذريني منه؟

تتوسط الجدة الغرفة وتمد يدها المرتعشة لتمسك بها مراسيل ، كي تتمكن من النهوض..
مدت كفها ؛ ببطء نهضت وعيناها تقيمان عند النافذة، وصوت المطر لم يزل يتخلل صمتها الجاف..
ابتسامة صغيرة ارتسمت على شفاه مراسيل ، وعيون الجدة المتجعدة ممتلئة بالحيرة؛ مرتديةً صمتها
تتجة نحو الباب وعيناها لا تزالان تعبران ملامح مراسيل..تمسك مقبض الباب ليصدر صوتاً يشبه رفرفة الأجنحة وهي تستعد للرحيل..
في غمرة انشطار الروح نتحين فرصة مناسبة لكي نتزحلق بخفة عبر قلوبنا ونحيي من جديد ماتلف منا..
محدقة مراسيل في السقف متناسية ألم قدمها تعد الأخشاب المتراصة وترتب ألوانها؛ كلما انتهت تعود من جديد .
متحينة الوقت الذي تتخلل فيه الشمس زجاج النافذة ؛لتنهض من سريرها وتتلقى سهماً آخر….

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *