إلى زوجتهِ:

رؤى الإرياني

 

هأنذا أُسلمهُ لكِ الآن بيدي الاثنتين لا واحدة، بعد أن حملتهُ في رحِم قلبي لعشرِ سنوات ونيف.
هأنذا أُغلفهُ لكِ بكل القبلات، التي غمرتهُ بها، طيلة العمر الافتراضي الذي كان بيننا.
هو لكِ الآن، بصوتهِ الصاف، بحسنهِ، بشعرهِ الكثيف الذي كنتُ أطلبُ منه عدم تمشيطه أحيانًا، بنكاتهِ السخيفة، وأصابعهِ اللطيفة، بضحكاتهِ الطفولية، وحدسه المذهل، و … لتكتشفي أنتِ الباقي.

إني يا زوجة من أُحب، كنتُ قد أفنيتُ وقتي؛ أقضيهِ معه دون ملل أو كلل، حتى بتُ أعيشُ معه كروحٍ دون جسد.
فأنا وربما أكون – الوحيدة – التي خاضت معه حروب الدنيا، بكل أنواعها التي مرت عليه، وإنني كنت اليد – الوحيدة أيضًا – التي مسحت دموعه المتسللة، خلال تلك الحروب.
واجهنا الكثير والكثير يا زوجة من أحب، وكنا ننهضُ منها دائمًا، دون يأس، حتى ونحن مكسوري الأجنحة، لنمشي مسافات أطول، وأكثر وعورة، لكننا معًا، دون فراق.
سقطتُ في مفترقاتِ طرق عديدة، وكانت يده ممدودة دائمًا، تشدني وترفعني، وتنفضُ عني غبار التحسر والألم، كما أنني كنت حبل نجاته القوي، في كل مرة يتعثر بها في حُفر اليأس والإحباط.
كنا روحين في جسد، حتى إذا مَرّ سيفٌ بيننا، لا نعرف دمُ مَن سيسيل!

أنا يا زوجة من أُحب، أول من عرفتْ اسم أمه، وأول من حفظت أسماء أخواته وأطفالهن، وكُنا نختارُ هداياهن وننسقها معًا، فتلك لا تحب إلا الباهِظة منها، وتلك اللطيفة التي تُحب الألوان، والحبيبة أُمه، كانت تَنهل له الدعاء بعد كل مُفاجأة.
كان صدري مرفأه الوحيد، وملاذه الآمن، وكنتُ أظلله بكل كلماتِ الحب الوارفة، وأقصُّ عليه حكايات الجارات المُضحكة، فيغفو بسلام ودِعه.
بفضلي أنا؛ أحبَّ القراءة، ولأجلهِ أنا؛ أحببتُ الكتابة.

إن زوجك هذا النائم بقربك، كان ينام في حُضن أنفاسي كل ليلة، وشخيره الذي قد يُضايقك، هو تهويدتي التي تنعَّمتُ بها طيلة تلك السنوات.
قد تلاحظين بعضًا من كلماتي المميزة في حديثه، يكررها، وسيحفظ أيضًا بعض كلماتك؛ فهو من النوع الذي يكتسب بسرعة، فكوني ذكية.

في النهاية هاكِ هذا الرجل الذي أحب، والذي هو الآن زوجك العزيز، مُلطخٌ بكل علاماتِ وجودي، غرستُ فيه العديد من الصفات المميزة، لكنني عجزتُ أن أُعلِّمه القناعة، فحظًا أوفرًا معك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى