مرزاب باكٍ

هيثم أمين

 

مرّ الغزاة من هنا؛
لم يجدوا شيئا لينهبوهُ منّي
فسرقوا رأسي التي كانتْ
تتدرّبُ على الضّحك (خارج المشهد) / (،خارج المشهد)
و أحرقوا أشجار الضّوء في عيوني…
أنا.. كنتُ
مشروع مدينة في خيال مسؤول حكوميّ فاسد
شيّدني تحت كرسيّه.. و فَرْ !
مرّ الرّعاة من هنا؛
كانوا خارجين، للتّوّ، من جراح ناياتهم
و لا يشبهون الأنبياء في شيء !
قطعان خطواتهم
كانت جائعة جدّا
و صدري.. كان مُجدِبا
لا تنبت فيه الأرصفةُ
فزرعوا أحزانا صغيرة في أصابعي
و مرّوا…
مرّ الأنبياء من هنا
و أنا كنتُ مدينةً
لا تحمل أعشاش العصافير، على ظهرها
و حبيبتي العذراء
كانت بعيدة جدّا
لترفس العنب بقدمين حافيتين
ثمّ تسقي شهوتها لعيون الأنبياء..
مات كلّ الأنبياء، يا قدّيستي
حين قرؤوك في تفاصيل جلدي
و مازالت جثثهم تكبُرُ كروما، تحت سرّتي؛
كروما تحلم بأن ينضج فيها العنب
ليصير نبيذا تحت قدميكِ !
مرّ الطّغاة و اللّصوص و الحرب من هنا
و أنا.. كنتُ ثملا جدّا !
ثملا بما يكفي
لأراقص كلّ شظيّة تعبرني،
لأصفّق لأغاني الرّصاص و هو يخترقني
و لأهدي كلّ جثّة، من جثثي، لطاغية
أو للصّ انتشل ما بقي، في محفظتي، من عمر !!
مرّ الشّعراء من هنا؛
صنعوا لي حانات و نساء،
علّموني كيف أروّض خيول الرّيح
وكيف تكون لي، في كلّ مدينة، قصيدة
و علّموني كيف أكون مرزابا
يصفّق الجمهور لبكائه الطّويل
و حين نفد الشّعر منهم
ومنّي
سخروا كثيرا من لغتي القصيرة
وذهبوا إلى عناوينهم الأكثر جرأة
وأنا.. بقيت مرزابا يجيد البكاء…
أطفال كثيرون مرّوا من هنا
و أنا.. ما كنت أحمل، في جيبي، مصّاصاتْ
و نسيتُ كلّ حكايات جدّتي
فتركوا لي
بكاءهم،
ألعابهم العمياء
و حجارة غضبهم
ثم هرولوا نحو الله
ليصنع منهم زهر اللّوز !!
و النّهر، أيضا، مرّ من هنا؛
مرّ حادّا كنصل السّكّين…
يركض نحو البحر
و يلفّ، من خلفه، سجّادة مائه؛
يدسّها تحت إبطه المتعرّقِ
و لا يترك لي
إلّا مجراه غائرا في صدري..
شكرا جزيلا لك أيّها البحر
لأنّك مازلت تهديني ورود الملح
لأضمّد بها مجرى النّهر…

 

*شاعر من تونس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى