فضاءات الدهشة

يهتم بالكتابة المدهشة..رئيس التحرير أحمد الفلاحي

نصوص

مرزاب باكٍ

هيثم أمين

 

مرّ الغزاة من هنا؛
لم يجدوا شيئا لينهبوهُ منّي
فسرقوا رأسي التي كانتْ
تتدرّبُ على الضّحك (خارج المشهد) / (،خارج المشهد)
و أحرقوا أشجار الضّوء في عيوني…
أنا.. كنتُ
مشروع مدينة في خيال مسؤول حكوميّ فاسد
شيّدني تحت كرسيّه.. و فَرْ !
مرّ الرّعاة من هنا؛
كانوا خارجين، للتّوّ، من جراح ناياتهم
و لا يشبهون الأنبياء في شيء !
قطعان خطواتهم
كانت جائعة جدّا
و صدري.. كان مُجدِبا
لا تنبت فيه الأرصفةُ
فزرعوا أحزانا صغيرة في أصابعي
و مرّوا…
مرّ الأنبياء من هنا
و أنا كنتُ مدينةً
لا تحمل أعشاش العصافير، على ظهرها
و حبيبتي العذراء
كانت بعيدة جدّا
لترفس العنب بقدمين حافيتين
ثمّ تسقي شهوتها لعيون الأنبياء..
مات كلّ الأنبياء، يا قدّيستي
حين قرؤوك في تفاصيل جلدي
و مازالت جثثهم تكبُرُ كروما، تحت سرّتي؛
كروما تحلم بأن ينضج فيها العنب
ليصير نبيذا تحت قدميكِ !
مرّ الطّغاة و اللّصوص و الحرب من هنا
و أنا.. كنتُ ثملا جدّا !
ثملا بما يكفي
لأراقص كلّ شظيّة تعبرني،
لأصفّق لأغاني الرّصاص و هو يخترقني
و لأهدي كلّ جثّة، من جثثي، لطاغية
أو للصّ انتشل ما بقي، في محفظتي، من عمر !!
مرّ الشّعراء من هنا؛
صنعوا لي حانات و نساء،
علّموني كيف أروّض خيول الرّيح
وكيف تكون لي، في كلّ مدينة، قصيدة
و علّموني كيف أكون مرزابا
يصفّق الجمهور لبكائه الطّويل
و حين نفد الشّعر منهم
ومنّي
سخروا كثيرا من لغتي القصيرة
وذهبوا إلى عناوينهم الأكثر جرأة
وأنا.. بقيت مرزابا يجيد البكاء…
أطفال كثيرون مرّوا من هنا
و أنا.. ما كنت أحمل، في جيبي، مصّاصاتْ
و نسيتُ كلّ حكايات جدّتي
فتركوا لي
بكاءهم،
ألعابهم العمياء
و حجارة غضبهم
ثم هرولوا نحو الله
ليصنع منهم زهر اللّوز !!
و النّهر، أيضا، مرّ من هنا؛
مرّ حادّا كنصل السّكّين…
يركض نحو البحر
و يلفّ، من خلفه، سجّادة مائه؛
يدسّها تحت إبطه المتعرّقِ
و لا يترك لي
إلّا مجراه غائرا في صدري..
شكرا جزيلا لك أيّها البحر
لأنّك مازلت تهديني ورود الملح
لأضمّد بها مجرى النّهر…

 

*شاعر من تونس.

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *