كل هذا حدث

عباس السلامي

 

بعيدًا عن الحب
يقبعُ قلبي كعصفور في قفصٍ مهجور
ما سألتهُ أبداً عن وقوفه البعيد عني
ما تَحسستُ منه يوماً لعدم مشاركته إيايَ الأحاسيس والمشاعر
ولا حاولتُ أنْ أكشفَ لهُ عما يؤرقني أو أبوح له عن قساوة،
السنوات ويباسها تلك السنوات التي مرّت وتمرّ بلا حب
كنتُ أتابع نداءاته الخفيّة بحذر شديد..
أقررتُ واعترفتُ برغباته التي كان يداهمني بها بعفوية مؤلمة
كم وقفتُ على خفاياه التي كانت تعنيني أكثر مما تعنيه
لأنهُ خزانة جسدي المحكمة، ومستودع أسراري، ومحطّ أحلامي،
تركت مفاتيحي كلّها عنده، جثمتُ في دوامتي،
وأهديتهُ جناحيَّ لينطلق بهما دون قيدٍ مني،
أَفْرَغتهُ من أوجاعي وأسراري التي لا قِبلَ لهُ بحملها
لطالما حرصتُ على ألا أجسَّهُ بذكرى،
أو أُخَرْبِش على جدرانه بهوىً كاذب،
خبَّأتُ عنه صورَ، من تنكَّروا، من خانوا، من رحلوا
ومن هم على أهبة الرحيل،
لأجله تركت آهاتي لصقَ روحي،
وحسراتي نفضتها من دمي لكي لا تعكِّر صفوَ نبضه،
يالَنبضِه! الذي مازال يؤرجحني بين الذكريات الغابرة والهواجس الموجعة
قُدِّرَ لي ألا أمتلك أشياء كثيرة!
وألا أمتلك حتى ولو مساحة ضيقة من قلبي أخبئ فيها أحلامي المُزْجاة!
اِستدرجتني الوحشة بصمتها المريب ثمَّ أطبقت عليَّ بجدرانها
كل هذا حدث
وأنتَ،
يا….. أيّها القلب ترقد في صدري قرير النبض
لا أريد منكَ سوى ألا أنام صاحياً
مَن منّا ينصف الآخر، أو يعيد لهُ هيبته؟
على قفاركَ اليابسة المعتمة نصّبتُ نواعيرَ تدور بأحصنةٍ من نور،
كي تُضيءَ وتخضّر فتُثمـــر
كم اجتزتُ بلا أنت محطاتٍ مرةً مرّت،
ومعارك رفعتُ لأجلكَ أمامها رايات الاستسلام
ولأني أرَدتُكَ أنْ تبقى خافقاً
ولكي تظلّ أنت َفي مقامك الرفيع،
صرتُ الأصمّ الأعمى في حضرة الغواية
مازلتَ تتربصُ بي،
وأنت تربضُ في صدري كهرٍ تخربش وتموء بالأوجاع
عملتُ يا للَحسرة كلّ ما بوسعي لأتآلفَ معكَ!
ماذا لو خلعتكَ أيّها القلب، وقذفتُك في صفّ المؤتلفة؟
آه لو تنحيتَ عني قليلاً، لربما أدركتُ حياتي!!
كم تمنيتُ عليكَ ألا تُشعرَني وأنتَ تمارس فعالياتك –من حب وكره–!! تمارسها دونما أدري!
هل بعدَ “بعدُ” بعد أيها القلب؟
فكل الذي جمَّعنا معاً،
من آمال، و يأس، من “انتصارات”!!، وخيبات وهزائم،
ما صيَّرنا واحداً
لأنك سعيتَ بقسوة –ومنذ البدء – أنْ نكون اثنين في عهدة جسدٍ مُسْتلب
تركتُكَ أيّها القلب
في كلّ كرب يلّم بكَ تتوكأُ على أضلعي،
لكنك كنت تغادرني وتتركني وحيداً في المهب
أمنفايَ فيكَ، أمْ فيكَ موتي؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى