وَهمٌ ثلاثيُّ الأبعاد

ريتا الحكيم

 

أكتبُ هذا النَّص وأنا على جمرِ اليقينٍ أنَّهُ سينتقمُ منِّي وينصبُ لي مشنقةً على صدرِ اللغةِ وهو مُنتشٍ بعجزي، سيعترفُ للقرَّاءِ بمظالمَ لحِقَتْ بهِ حين كنتُ أحكُّ جسدَهُ الطَّريَّ بأظافري؛ لأمحوَ أخطاءً إملائيةً ارتكبتُها بحقِّهِ سهوًا، لحظةَ لاحَ طيفُكَ مُتأبِّطًا ماضينا.
يُشمِّرُ النَّصُّ عن أكمامهِ، كاشفًا عن مجازرَ داميةٍ تحتشِدُ
على زندَيهِ،
أتقلَّبُ على قلَقٍ أخفيتُه بفواصِلَ، وأقواسٍ صغيرةٍ، وكبيرةٍ؛ لأتجنَّبَ نظراتِكَ الملتهبةَ وأنفاسَكَ اللاهثةَ
ثمَّةَ قارئ يتعاطفُ معكَ ومعهُ
وآخَر يكيلُ لكما اللومَ
وأنا أبرِّئكَ من دمهِ النَّازفِ
*
هكذا وببساطةٍ شديدةٍ يتبرَّأ النَّصُّ منِّي، مُقتَديًا بكَ،
يُعلنُ انشقاقَهُ عنِّي، ينسحبُ مِنَ الورقِ بصمتٍ،
ويتركّني حائرةً أبحثُ عن بدائلَ للفراغِ الذي أحدثَهُ
*
لا مناصَّ من عمليةِ بحثٍ في ضواحي اللغةِ
أو من بعضِ ركضٍ سريعٍ خلفَ كلماتٍ شاردةٍ،
ربَّما تكونُ قد غرقتْ في مستنقعِ الظَّنِ بعد أنِ التوى كاحِلُها في رحلتها الشَّاقةِ إلى أرضِ الحُرِّيةِ
أتساءلُ ولا أجدُ جوابًا:
هل لجأ النَّصُّ إلى حضنٍ آخَرَ، كما فعلتَ أنتَ؟
أم أنَّهُ تنكَّرَ لكلِّ الأحضانِ، وآثَرَ على نفسِهِ العزلةَ، ورطوبةَ الوحدةَ؟
*
كان عليَّ أن أمحوَ مثالبَ النَّصِّ
قبل أن يخرجَ عن طوعِ أمرِ الشِّعرِ
وقبلَ أن تحشُرَ أنتَ حماقاتِنا الصَّغيرةَ بين سطورِهِ
لكنَّ رائحةَ الورقِ اللاذعةِ خنقَتْني، ورحتُ في غيبوبةٍ
على مشارفِ النِّهاياتِ
—————————————
– الهوامشُ المُكتنزةٌ بالشَّغفِ، مبتورةٌ أطرافُها، ولن تستطيعَ النُّزوحَ لملءِ ذاك الفراغ.
– الفراغُ ليسَ وهمًا، لكنَّ العينَ لا تُبصرُ ما وراءَ جبهتهِ العريضةِ.
– الوهمُ امتدادٌ لمعاصينا، والحقيقةُ كبشُ محرقةٍ نلوِّحُ بها كلَّما أطبقَ الوهمُ على رِقابنا.
– لم أعُد أعرف إن كنتُ أنا الفراغ، الوهم، أمِ الحقيقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى