فضاءات الدهشة

يهتم بالكتابة المدهشة..رئيس التحرير أحمد الفلاحي

نصوص

موت المهرج

علي أزحاف

_ _

من وراء باب خشبي
تتخلله الخدوش والشقوق..
كان الضوء باهتا ينوس..
وكان المهرج متقوسا مثل
حرف الحاء في الروح
يتقيء اعماق معدته..
يحاول أن يكح بصمت..
يمسح فمه بمنديل أبيض..
يتأمل بتعب بقعة الدم الحمراء…
وينظر للمرة الأخيرة الى
محتويات غرفته الجرداء..
باروكة شعر ذهبي أشعث ..
أنف منتفخ أحمر …
أصباغ ومساحيق مختلفة..
أحذية بمقايس كبيرة…
نسخة من كتاب الأمير…
معطف صوفي أسود ..
جوارب مخططة بالوردي والأصفر..
ثم يرفع نظره نحو المرآة…
يرى وجها غريبا جاحظ العينين..
مجعد و مسحوب الخدين
يسعل ثم يبصق مرتين..
وينهار على البلاط البارد..
وفي الجهة الأخرى للكواليس
أطفال مازالت دموع الضحك
لم تنشف في عيونهم المرحة…
نساءيعدن ترتيب فساتينهن…
ويتعطرن وهن يتبادلن الإبتسامات..
رجال في بدلات سهرة أنيقة…
يعزمون على بعضهم بالسجائر…
يناقشون الجزء الأول من المسرحية…
يرتشفون القهوة والمياه المعدنية…
في انتظار عودة الممثلين الى العتبة..
حين يرفع الستار للمرة الثانية…
يطلع الممثل البطل بزيه القروسطي…
ثم تتبعه البطلة في يدها مروحية..
يتبادلان حوارا قصيرا….
قبل أن تلتحق بهم جوقة موسيقية…
تعزف لحن سمفونية رعوية…
يأخذ البطل البطلة بين ذراعيه..
ويرقصان كريشتين على الأنغام …
يصفق الجمهور بحماس ناري…
الا الأطفال مازالوا ينتظرون
أن يظهر المهرج مرة أخرى….
كي يملأ قلوبهم بالبهجة …
وتصدح القاعة بألف
ضحكة وضحكة وضحكة…
لكن خلف ذاك الباب الموارب…
الذي يتخلله ضوء شارد
كان هنالك على البلاط البارد…..
جسد ممدد على البلاط…
حوله تنتشر أثواب قديمة…
باروكة جورب وحذاء ..
أنف أحمر منتفخ
ومنديل مبقع بالدماء …
كل ذلك كان قبل قليل
في الجزءالأول من المسرحية..
مهرجا يدخل البهجة إلى القلوب..
يضحك النساء والرجال والصغار..
خانته قوة الوجود لينهار….
دون أن يتلفظ ما تبقى من الحوار…
نُسي في خضم تصاعد الأحداث….
لم يفتقد غيابه سوى الخشبة.

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *