فضاءات الدهشة

يهتم بالكتابة المدهشة..رئيس التحرير أحمد الفلاحي

أخبار ثقافية

أدباء اليمن واتحاد الكُتّاب.. بيانُ نعيٍ مفتوحٌ على الهاوية!


فضاءات الدهشة- صدام الزيدي

“بيت أدباء اليمن يتهاوى”، يقول أديب وكاتب يمني في سياق تعليقه على الوضع القائم في اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين وفروعه.

والحاصل ان كيان الأدباء الذي كان يشار إليه كواجهة وطنية ومؤسسة وحدوية (بشّر بالوحدة وسعى إلى لملمة شطري الوطن قبل تحقيق الوحدة في 22 مايو- آيار 1990) شهد في السنوات الأخيرة، فترة ركود لافتة؛ إذ بدا كياناً نمطياً مشلولاً لا نشاطات ولا ممارسة فعلية لما يجب أن يكون عليه دور كيان بحجم مؤسسة بيت الأدباء- الاتحاد الذي بات أشبه بالميت سريرياً، في لحظة من أشد وأعصف فترات المشهدية السياسية اليمنية، بدءاً بثورة الشباب الشعبية السلمية في 11 فبراير- شباط 2011، مرورا بما تبعها من مشاهد وتفاعلات أكثر ضبابيةً وأكثر ارباكاً، حتى اللحظة، لتتفاقم جراحات البلد وتشظياته على نحو أوسع، ترافق مع كل ذلك صمت غريب واغتراب لافت لاتحاد الأدباء والكتاب، وصولاً إلى حالة تنطوي عليها المقولة الشعبية “حضورك كغيابك”!.

*بيت الأدباء يتشظى:
فلم تكن الحرب التي تشهدها اليمن منذ ثلاث سنوات، وحدها، سبباً لكي يغلق اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين، أبوابه، في وجه من يفترض بهم أن يكونوا منتسبين لهذا الكيان الوحدوي والوطني الهام. بل ان بيت الأدباء في اليمن يتشظى منذ ما قبل الحرب، لأسباب وتداعيات كثيرة يصعب الإلمام بخيوطها، كما يصعب لملمة الوضع الراهن للأدباء الذين باتوا يموتون من الجوع ولا يجدون من ينتشلهم هم وأطفالهم من واقع الشتات الذي يحيط بهم من كل جانب.

يكاد ينقسم أدباء اليمن إلى ثلاث فرق، الأولى تقف على رأس الهرم وتمثل قيادات الاتحاد العام وفروعه بالمحافظات، والثانية حشد كبير من الكتاب الشباب تناساهم المعنيين طويلاً وبات نيل عضوية الاتحاد حلم كبير بالنسبة لهم؛ إذ مر على تقديم الكثير منهم طلبات العضوية قرابة عشر سنوات، أو هكذا، أما الفريق الثالث فيمثل أدباء خارج التفاعل، (ممن اكتسبوا العضوية سابقا أو من المؤهلين لنيلها حالياً) كأن الأمر لا يعنيهم.

*حراك شبابي:
منذ أشهر مضت، بدأ عدد من الأدباء الشباب في صنعاء، حراكاً مطلبياً لنيل العضوية، وسط وعود وتوجيهات لرئيس اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين الدكتور مبارك سالمين، الذي وجه نهاية 2017 الماضي، لجنة العضوية المنبثقة عن الأمانة العامة، للاجتماع والبت في ملفات الشباب، ذلك ان عدم انتظام اجتماعات الأمانة العامة منذ سنوات، مشكل يتعلق بالاتحاد العام ولا يجب أن يتحمل نتائجه الأدباء الشباب، بحسب نص توجيهات رئيس الاتحاد مبارك سالمين وما أعلنته الأمين العام هدى أبلان، أيضاً، في هذا السياق.

*العضوية وأراضي الأدباء:
شهدت نهايات 2017 الماضي حراكاً قام به أدباء شباب ممن تقدموا -منذ سنوات- بملفاتهم إلى اتحاد الأدباء (فرع صنعاء وبقية الفروع التي تعنى باستلام وترتيب ملفات طالبي العضوية للرفع بها إلى الأمانة العامة لفحصها واتخاذ قرار بشأنها ضمن مهمة توكل إلى لجنة العضوية ترأسها الأمين العام)، لمنحهم العضوية، انطلاقاً من شعور بالخذلان وأن لا أحد من المعنيين تفاعل مع مطالبهم القانونية، غير أن موضوعاً أثير وظهر إلى السطح، هو موضوع الأراضي أو ما بات يعرف ب “أراضي الأدباء”، علماً ان توجيهات حصلت عليها قيادة فرع اتحاد الأدباء بصنعاء من الرئيس السابق علي عبدالله صالح، قبل سنوات، قضت بتخصيص مساحة مناسبة من الأراضي بأطراف مدينة صنعاء الشمالية للأدباء، لكن الموضوع لم يكن سهلاً أبداً؛ فعلاوة على مواجهة الأدباء لمالكي الأرض، ثمة مشاكل تربك أداء الاتحاد من كل اتجاه، تتعلق بسباته المريب وغياب دوره في القضايا الوطنية واستلابه ككيان شبه ميت، ثم باتت العضوية والأراضي ملفان في ملف واحد وفي مطلب واحد تداعت له كتابات وتغريدات وتحركات الأدباء الشباب الذين أصبحوا يمثلون روح المشهد الأدبي، حالياً، بشهادة واعتراف أدباء قدامى وبشهادة الحالة الراهنة لنتاج المبدع الأدبي اليمني الآن الذي شق طريقه ونال جوائز محلية وعربية ولا يمكن تغييبه أو إقصاء دوره وتهميشه.

*تصعيد:
على ان فترة الربع الأول من العام الجاري (يناير كانون الثاني/ مارس آذار 2018) شهدت حراكاً أكبر من قبل أدباء وكتاب شباب في صنعاء، نفذت خلالها اعتصامات مفتوحة بداخل مقر الاتحاد في قلب العاصمة، وبناء على وساطة قادها الأديب والكاتب المعروف أحمد ناجي النبهاني، تم توقيع اتفاق تفاهم بين الشباب المعتصمين يمثلهم الشعراء أنور داعر البخيتي، زين العابدين الضبيبي، أميرة شائف، والقاصة نبيلة الشيخ، وبين الأمانة العامة لاتحاد الأدباء يمثلها هدى أبلان الأمين العام، قضى بالتزام الأمانة العامة بالبت في ملفات العضوية المقدمة من الكتاب الشباب خلال أسبوع واحد، غير ان المهلة المتفق عليها تفاقمت ومرت أسابيع دون أن تحل القضية، الأمر الذي دفع بسلسلة مطالب أعلنها الأدباء الشباب بقيادة أنور داعر البخيتي، في مؤتمر صحفي مطلع أبريل الجاري.

*تحريك مياه راكدة:
وبينما تنفرد “فضاءات الدهشة” بنشر النص الكامل ل (بيان صادر عن المؤتمر الصحفي للأدباء والكتاب اليمنيين الشباب، انعقد في بيت الثقافة بصنعاء، يوم السبت الموافق 7 أبريل- نيسان 2018)، يقول أدباء وكتاب وقيادات في الاتحاد العام، ان البيان يضع النقاط على الحروف، لكن، مع اشتماله على نقاط ومضامين أشبه بفانوس سحري، في اشارة، ربما، لمطالب تعجيزية، غير أن كُتّاب وكاتبات من الشباب يرون في البيان وسيلة لانتزاع حق العضوية أولاً وما يترتب عليه من حقوق، كالحق في الأراضي وسواها.

*نص البيان:
“إنه وبالرجوع إلى تاريخ ونضالات الشعوب المكافحة في سبيل كرامتِها وسيادةِ أراضيها واستقلال قرارِها الوطني، قديمةً كانت هذه الشعوب أو حديثة، فإننا نجد أنَّ المثقفَ الوطنيَّ المُخلص والحر وغير المؤدلج قد مَثَّلَ طليعةَ ذلك النضال، وأخَذَ على عاتقه الدورَ الأكبر في توعية وتوجيه ذلك الكفاح.
وإن الظرف التاريخي الذي تم تأسيس اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين فيه قد مثل مسؤوليةً وتحديًا كبيرَين أمام الأدباء والكتاب المؤسسين، فكانوا بحجم ذلك التحدي وتلك المسؤولية، وفوق مستوى الأحداث، وأسسوا أولَ كَيانٍ وحدويّ مدنيّ، رغم التشطير والانفصال الذي كانت عليه البلاد آنذاك، ووضعوا أهدافَ الاتحاد الخالدة والنابعة من ضمير الأديب والمثقف الحي، واستطاعوا بذلك رسم المسارات الوطنية للقوى السياسية، ليحققوا بذلك الريادةَ على كل المكونات السياسية والاجتماعية.
ومثلما كان تأسيس الاتحاد تحديًا كبيرًا للقيادات الأدبية المؤسسة في ظل التشطير والصراعات فإنه يقع على عاتِقِ أدباء اليوم مواجهة التحدي والمُثُولُ أمام هذه المسؤولية الكبيرة، وتجاوز الانقسام السياسي، وإننا إذ نعلن فخرَنا واعتزازَنا بالرعيل الأول من الأدباء المؤسسين، نَستشعر في الوقت نفسه المسؤوليةَ الكاملةَ في إحياء الاتحاد وتفعيله واستعادة دوره الريادي بعد أن أصابه الترهل، وصار يعمل عكس أهدافه ومبادئه التي أُسِّس من أجلها، حيث غَلَبَت عليه الشللية، والانجرار وراء السياسي، والتشبث بالمواقع القيادية، وتدجين الاتحاد بأشباه الأدباء والمثقفين من العناصر الأمنية لتعطيله، وعدم ضخ الدماء الشابة في جسده المتهالك، مما أدى إلى فقدانه لدوره الحيوي، وغياب الرؤية الثاقبة لدى قياداته، وتقاسمها المصالحَ الشخصية الأنانية، مع الانقسام السياسي في الداخل والخارج، والصمت حيال الأحداث الكبرى التي تعصف بالبلاد، والانتظار حتى يُنهي السياسي تموضُعَه ورسمَ مساراته ليتم التكيف مع الواقع المفروض، في الوقت الذي كان الاتحاد بقياداته التاريخية هو من يرسم تلك المسارات الوطنية بروح الانتماء النقية، لتسلك فيها مِن بعده كلُّ القوى السياسية والاجتماعية.
إن من المُعيب والمُخجل اليوم أنّ اغلب القيادات المؤدلجة في الهيئات التنفيذية قد نقلت فكرها السياسي الانتهازي إلى كيان الاتحاد، ولم تنقل فكر الاتحاد التنويري إلى الأحزاب التي انضوت فيها، فصارت أبواقًا لتلك الأحزاب، وحولت الاتحادَ مِن صَرحٍ للتأهيل والتنوير إلى وكرٍ للتجهيل والتبرير،
وإن عدم احترام لوائح وقوانين الاتحاد ومخالفتها، بدايةً من عدم اجتماع الهيئات التنفيذية لسنواتٍ طوال، مرورًا بأغلب القيادات في الأمانة العامة والمجلس التنفيذي ورؤساء بعض الفروع، الذين قاموا بإغلاق مقرات الاتحاد وتعطيل أنشطته، وممارسة أنشطتهم الشخصية بمسميات ثقافية أخرى لا تَمُتُّ للاتحاد بأية صِلة، فمنهم من صار له أكثر من مؤسسة ثقافية خاصة باسمه، ومنهم من صار له منصبٌ حكومي، في الوقت الذي صارت فيه مقرات الاتحاد عُرضةً للسطو في أكثر من محافظة، في مخالفة صريحةٍ لنظام الاتحاد ولوائحه الداخلية، وذلك يُعرّض جميع القيادات للمساءلة القانونية.
إن الاتحاد اليوم في منعطف مفصلي هام وخطير, ويواجه حاليًّا امتحانَ التجديد والاستمرار وسط ظروفٍ وطنيةٍ صعبةٍ لا تَخفَى على أحد، وإنه ليس من القانون أن تغيب هيئات الاتحاد التنفيذية لسنواتٍ دون اجتماع، وليس من المعقول أن تمر بلادنا بمثل هذا الصراع المرير والحرب المدمرة والاتحاد غائبٌ أو مُغيَّبٌ بفعل هذه الممارسات اللامسؤولة، ونحن إذ نرفض هذا الغياب غير المبرر لَنُؤكد للجميع أن التاريخ لا يرحم، وأننا نرفض رفضا قاطعًا أيةَ مبرراتٍ لغياب الاتحاد وعدم اجتماع هيئاته التنفيذية كلَّ هذه المدة، وأن مبررَ الحرب ليس إلا شَمَّاعةً يُعلق عليها القائمون على الاتحاد أخطاءهم وتَسيُّبَهُم المتعمّد، فالهيئات التنفيذية لم تجتمع قبل ذلك، في ظل الأوضاع الاعتيادية قبل هذه الحرب، نتيجةَ المماحكات والمناكفات السياسية، وتصفية الحسابات الأنانية الضيقة، كما نؤكد أنه لا يوجد الآن أي مبرر لعدم الاجتماع في ظل وسائل التواصل المتطورة والحديثة، خصوصًا وأن الاتحاد قد أُسِّسَ في ظروفٍ أشَدَّقسوةً و عُزلةً من ظروفِ اليوم، ولكنه قام بواجبه، وكان عند مستوى المسؤولية، وذلك بفضل قياداته الوطنية المخلصة الحرة.
إننا ونحن نناضل اليوم لإحياء الاتحاد، وفي ظل اللامبالاة والتسويف والمماطلة واللامسئولية، من قبل الأمانة العامة، والمجلس التنفيذي، وبعد اجتماعاتٍ مكثفةٍ وكثيرةٍ مع القيادات التنفيذية وكبارِ الأدباء، وبعد تنفيذ وقفة احتجاجية أمام مبنى الاتحاد، واعتصامٍ مفتوحٍ استمر لأيام داخل مبنى الاتحاد، نجدد التأكيد على مطلبِنا المشروع بسرعة اجتماع الهيئات التنفيذية للاتحاد ممثلةً بالأمانة العامة والمجلس التنفيذي، للقيام بمسئولياتها التالية: تقديم مبادرة سلام لإيقاف الحرب- ضخ الدماء الجديدة في جسد الاتحاد وذلك بإقرار العضويات- فتح مقرات الاتحاد وتفعيل أنشطتها الثقافية- التهيئة والتحضير لمؤتمر عام يتم فيه تحديث النظام الأساسي للاتحاد، وغربلة أشباه الأدباء والمثقفين، وانتخاب هيئات تنفيذية جديدة.
وإننا لَنُؤكد في الأخير على أن خياراتِنا للتصعيد مفتوحةٌ في حالة عدم الاستجابة، واستمرار المماطلة والتسويف الغير مبرر”.

*اتحاد بلا موازنة:
إلى ذلك، وفي ضوء ما تحدث عنه بيان الأدباء والشباب، تحدث قيادات في اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين، وعدد من الأدباء والكتاب، ففي هذا السياق، أفاد “فضاءات الدهشة” مبارك سالمين رئيس اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين (الذي يتواجد في مصر كما هو حال كثير من الأدباء والكتاب الذين هجّرتهم الحرب الدائرة في الداخل اليمني) بقوله انه “تم قبول كل من استوفى شروط العضوية”، ويضيف سالمين: “أنا اتفق معكم ولا أتحدث عن الأمانة العامة لكنني وكما تعلمون، سبق أن وجهت بتفعيل لجنة العضوية وبدأت بالعمل ولأن هذه اللجنة مكلفة باتمام اجراءات القبول بصورة استثنائية فهي بالتأكيد ستنجز أعمال العضوية”.

وتعليقاً على حالة الركود والغياب للأنشطة والتفاعلات الوطنية، ينوه رئيس اتحاد أدباء اليمن إلى ان “الاتحاد بلا موازنة منذ عام 2014″، مشيراً إلى “اننا على حساب قوت أبنائنا نحضر بعض الفعاليات العربية؛ حيث نمثل اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين في معظم المحافل العربية وأحيانا نقيم بعض الفعاليات في عدن وصنعاء والخارج بمجهودات شخصية”.

*أرضية أدباء عدن:
ويتابع الدكتور مبارك سالمين: “اتحاد الأدباء والكتاب كان في وضع تاريخي مختلف، فالاتحاد كانت الدولة في الجنوب والشمال تدعمه بينما اتحاد اليوم يتم السطو على مقره وما من منقذ لأعضاءه إلا الفرار بأجسادهم (في إشارة إلى ما يحدث لأرضية اتحاد الأدباء بعدن من اعتداء ونهب من قبل أحد المواطنين منذ سنوات والقضية منظورة لدى القضاء) وعندما أقمنا في القاهرة الذكرى العشرين لغياب المناضل الوطني عمر الجاوي، تلسّن علينا أحدهم بقوله: “تقرصوا على ظهر الجاوي”، مع ان الفعالية أقيمت من مصاريفنا الشخصية والمكان بالتنسيق مع د.علاء عبدالهادي رئيس اتحاد كتاب مصر”.

واختتم سالمين، منوهاً إلى ضرورة مراعاة الظرف الحالي الذي تمر به اليمن في أتون حرب طاحنة مستمرة منذ ثلاث سنوات، معلقاً بالقول: “التنظير سهل لكن الحفاظ على اتحاد الأدباء من قوت أولادك ليس سهلاً”.

*الشباب خارج بيتهم:
“اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين كيان محنط ومنغلق على نفسه” بصراحة يعلن عبدالحكيم باقيس وفاة الاتحاد، يقول: “هذا هو الانطباع، أو النتيجة التي سيصل إليها المتأمل في واقع هذا الاتحاد الذي كان من منارات الحداثة والتجديد والانفتاح على آفاق من الإبداع والفكر والحرية والتأثير على الحياة الثقافية في اليمن، فأصبح الآن بعد تراكم النكوص مجرد جماعة أدبية معزولة عن وظيفتها في التأثير الإيجابي، وتأدية رسالتها الاجتماعية والثقافية”.

وبحسب الدكتور باقيس، فقد “تحول (الاتحاد) إلى ما يشبه الإقطاعية الخاصة بمصالحهم وحدهم، فأوصدوا أبوابه على التجديد الذي هو سمة الحياة وديمومتها، وفقدوا القدرة على المبادرة واجتراح الحلول، بل جمدوا عروق الاتحاد إلى درجة التحنيط، وشواهد ذلك كثيرة”.

وعن حراك الأدباء الشباب، يرى باقيس “إن النضال الحقوقي النقابي الإبداعي الذي يقوده الآن شباب الكتاب من خارج الاتحاد من أجل انتزاع حقهم في العضوية والانتساب إلى الاتحاد ليس مطلب هؤلاء الشباب وحدهم فقط، وإنما هو مطلب كل من حرموا من حقوقهم المعنوية والمادية منذ سنوات طويلة، وربما لعقود، مثل كتاب الجنوب الذين كانوا أول ضحايا العنصرية والاستبعاد عن الاتحاد، على الرغم من مكانتهم الإبداعية، ومن أمثال عشرات من النقاد الكتاب من الأكاديميين من مختلف الجامعات اليمنية، والذين لهم دورهم وتأثيرهم غير المنكور، ولكن لم تقبل عضويتهم في ظل سياسة الاستبعاد التي يمارسها الاتحاد”.

وينبه أستاذ الأدب والنقد بجامعة عدن الدكتور باقيس: “إن الاستجابة لمطالب الكتاب المطالبين بتفعيل دور الاتحاد وحقهم القانوني في عضويته ليس منة أو تكرًما ممن يمسكون بتلابيب الأوراق والأختام، لأن ذلك هو المطلب والحق الحقيقي، ووظيفتكم يا أمانة الاتحاد ورؤساء الفروع أن تبادروا إليهم، والتنقيب عنهم، ولكنه الواقع المقلوب، والحق المسلوب، ومن نكد الدنيا على الأديب في هذه البلاد تحول بعض الكيانات الأهلية والمدنية إلى سلطة أخرى موازية للسلطات الاستبدادية السياسية، فهل بقي شيء من الأمانة في أمانة اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين؟!، وهل يحرر الاتحاد نفسه من أغلاله ويضرب المثال برسالة الكتاب والأدباء النبيلة في مقاومة الإحباط والنكوص؟!. ولا سبيل غير هذا، وإلا كفوا عن الحديث عن الاتحاد وتمثيله، وخلوا الكتاب الشباب يمضون في استعادته كما يجب أن يكون”.

مستغرباً ما أسماه ب”رفض النظر من قبل القيادة الحالية للاتحاد إلى متغيرات المشهد الإبداعي في اليمن، والتعاطي معه بمسؤولية” مشيراً إلى ان “المشهد يتصدره جيل جديد من الكتاب الشباب الذين استطاعوا بكفاءة إبداعية أن يلفتوا النظر إليهم منذ أكثر من عقد من الزمان”.

ويستدرك باقيس في سياق حديثه ل “فضاءات الدهشة”: “صحيح أن اليمن شمالها وجنوبها وشرقها وغربها تعيش آثار محنة كبرى في تاريخها الحديث منذ نحو ثلاث سنوات وأكثر”، لكنه لفت إلى ان “اتحاد الأدباء قد صنع محنته بنفسه قبل أن تدخل البلاد في هذه المحنة الكبرى، فقد دبر وبكر في إغلاق أبوابه على نفسه”.

ويتساءل الدكتور عبدالحكيم باقيس: “هل يعقل أن المئات من الأدباء الشباب، وغير الشباب كذلك من مختلف المحافظات، خارج بيتهم الحقيقي وكيانهم الطبيعي؟”.

*تفقدوا كشف الأحياء:
“لهفي على أصدقائي الشعراء والأدباء الذين يكابدون مشقات الحياة هذه الأيام في اليمن، من دون مرتبات ومن دون أمان ومن دون صحف وكتب جديدة ومجلات. من دون حتى من يصغي لقصائدهم، في زمن الشعارات الجوفاء، والحروب العرجاء والتدخلات الفوضوية العمياء التي زادت الطين بله. لهفي عليهم وهم يمضون أيامهم في تذكر مفردات الحنين والحب في زمن الكراهية والدجل والوشايات اللعينة. لهم السلام والتحية والأمنيات بالنجاة من سعار اللحظة الطويلة التي لا تلوح لها نهاية. المجد للشهداء الأحياء في زمن بلاطعم وبلا أدب” يقول أحمد السلامي (شاعر وكاتب يمني) بنبرةٍ مليئةٍ بالوجع.

ويقترح الشاعر أحمد السلامي، على القائمين على اتحاد الأدباء والكتاب (الذي يرى فيه كياناً مشلولاً تماماً)، تفقد كشف الأعضاء الأحياء وتتبع أحوالهم والسؤال عنهم “قبل أن يغادرنا أديب في ظروف الجوع والبؤس هذه”، وتمنى أن يقوم الاتحاد بدور انساني كما تفعل الجمعيات والنقابات المهنية على الأقل لانقاذ حياة من هم على مشارف الموت.

السلامي طالب “من لهم صلاحيات اتخاذ القرار في اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين وفروعه، بمطالعة قائمة أعضاء الاتحاد، ورصد أسماء المستحقين للاهتمام والرعاية العاجلة، وتفقد أحوالهم، والتواصل المباشر معهم، قبل أن نخسر المزيد من المبدعين ولا نمنحهم سوى بيانات النعي الشكلية”، (في إشارة إلى حادثة وفاة الشاعر علي هلال القحم -وشعراء آخرين نال منهم الجوع والمرض في الفترة الأخيرة- الذي ما يزال منذ قرابة أسبوع، حتى لحظة كتابة هذه المادة، في ثلاجة مستشفى الجمهوري بصنعاء).

ويشير السلامي في حديثه ل “فضاءات الدهشة”، إلى انه “قبل أيام رحل شاعر شاب هو علي هلال القحم، الذي قضى في ظروف غامضة، ولا يزال جثمانه في ثلاجة المستشفى من دون معرفة مآلات قضيته من جهة متابعتها ومعرفة ملابسات وفاة الزميل المنكوب حياً وميتاً”، ويستطرد: “قلنا لهم من قبل، بدلاً من مناشدة الجهات الرسمية لإسعاف أديب أو مداواة كاتب أو دفن جثمان شاعر، اجعلوا من اتحاد الأدباء والكتاب نقابة مهنية فاعلة في رعاية الأعضاء والاهتمام بأوضاعهم الصحية واحتياجاتهم الإنسانية”.

وتابع حديثه: “ليكن اتحاد الأدباء مثل الجمعيات والنقابات الأخرى التي تقوم بواجبها تجاه منتسبيها، وليس مطلوباً من هذا الكيان النقابي أكثر من ذلك، بل في الواقع لا شأن له بإصدار الكتب وطباعة المنشورات وتسيير الوفود الخارجية، فتلك مهمة إضافية إذا ما انتهى بنجاح من الأولى ذات الأولوية القصوى، ولا نريد من اتحاد الأدباء إقامة مهرجانات تعتاش على أكتاف الموتى بينما لم يكن يلتفت إليهم في حياتهم”.

وفيما دعا إلى “تفقد كشف أسماء أعضاء اتحاد الأدباء، قبل أن نفقد اسماً جديداً”، ينوه أحمد السلامي إلى “كلما مات شاعر أو كاتب من الزملاء الغلابى من دون أن نقف إلى جانبه في الوقت المناسب، نخسر حتى القدرة على جلد الذات أو الشعور بالأسى”.

ويضيف: “لا بد من المسارعة في اتخاذ هذه الخطوة بمزاج نقابي مسؤول وصادق، وبخاصة أن اليمن يمر هذه الفترة بأبشع وأسوأ الظروف الإنسانية، في ظل حرب داخلية وخارجية تستنزف أرواح ومعنويات اليمنيين، والأدباء من ضمن الفئات المغلوبة على أمرها، في زمن أمراء الحرب وتجار الشعارات التافهة”.

أما عن تفاعلات كيان الأدباء وما يفترض أن يكون عليه تفاعل بيت أدباء اليمن، يقول الشاعر أحمد السلامي: “عرفنا اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين من خلال بيانات النعي المتكررة، واحتفاليات الرثاء التي تمتدح الأدباء الراحلين، وتثني على إبداعاتهم بعد موتهم!”، مختتماً حديثه: “لا نريد أربعينيات ولا بكائيات زائفة ولا مطبوعات هزيلة وفعاليات مغشوشة يستفيد منها فريق العمل ذاته، المعتاد على المتاجرة بالحدث الثقافي وتمييعه وإخراجه بشكل مشوه يتوافق مع المستوى الضحل للقائمين عليه.. نريد الاهتمام بالأحياء وإيجاد آلية عملية وفورية لتحقيق هذا الهدف”.

*شعراء في طابور الموت:
“طابور موت الشعراء والأدباء اليمنيين مستمر ويعمل بطاقة عالية. الجوع يصهرهم، فقط هناك من لم يعلن جوعه المستبد ولم يعلن قرب رحيله ولم يرسل صورة حية، بعد، عن حياة البرزخ”، يتهكم الشاعر مختار المريري، معلقاً على مآلات أدباء البلد الذي تنخره الحرب بلا هوادة.

يضيف المريري: “ما أوجعنا!”. ويستطرد: “ربما ارتاح من الألم كل من رحل من شعراء وأدباء هذي البلاد”.

*موسم بيع الكتب:
قبل أيام، تفاجأ الوسط الأدبي اليمني بإعلان كتبه الشاعر محمد القعود رئيس اتحاد الأدباء والكتاب فرع صنعاء، يفيد بعرضه مكتبته الشخصية) تحوي قرابة 8 آلاف كتاب) للبيع، ذلك ان متأخرات ايجار شقة مؤجرة له في صنعاء تراكمت منذ أكثر من سنة كاملة علاوة على قائمة لا تنتهي من الديون، وفي الأثناء، كانت نوافذ تفاعلية لرئيس الوزراء أحمد عبيد بن دغر، على منصات للتواصل الاجتماعي، تفيد بتوجيه بن دغر، بسرعة صرف مساعدة عاجلة للأديب والشاعر القعود الذي أثرى المكتبة الأدبية اليمنية والعربية بنحو 13 كتاباً أدبياً وشعرياً.

محمد القعود، فتح جرحاً كبيراً في قلب اللحظة اليمنية، فلم يكن هو أول وآخر أديب يمني يبيع مكتبته لأجل البقاء هو وأطفاله وأسرته على قيد الحياة وفي زوايا شقة مملوكة لمؤجر شدد عليهم الخناق بين خيارين: الدفع أو المغادرة.

قبل ذلك، كان أدباء من مدن ومناطق شتى، على امتداد اليمن، باعوا مكتباتهم ومدخراتهم وأغلى ما لديهم، لكي يبقوا على تماس الحياة، فيما غادر أدباء وكُتّاب البلاد إلى المهجر، على طول الفترة الماضية.

*الجوائز تبعث على التفاؤل مؤقتاً:
بروفيسور آمنة يوسف محمد، الفائزة، حديثاً، بجائزة الطيب صالح (في نسختها 2018 في مجال النقد الأدبي- أدب المكان، وهي جائزة مرموقة) هي الأخرى، قالت ل “فضاءات الدهشة”: “لو لم أفز بجائزة الطيب صالح العالمية للابداع الكتابي، لكان وضعي أنا وأسرتي في أسوأ حالاته” لكنها لم تخفِ نيتها “بيع مكتبتها الشخصية” على الرغم من مبلغ الجائزة، ذلك ان تداعيات التشظي والجوع والانسحاق لم تترك أحداً من مبدعي البلاد وكتابها، كذلك الحال كل الفئات اليمنية.

تقول الأكاديمية والشاعرة آمنة يوسف: “أعترف بكل صراحة بأنني كنت على حافة الموت لولا أن أكرمني الله بالفوز بجائزة الطيب صالح العالمية للإبداع الكتابي في دورتها الثامنة لهذا العام 2018”.

وتضيف: “كنت وعائلتي على شفا حفرة من الموت بعد نفاد كل ما نمتلكه من أشياء رخيصة أخجل من البوح بها، قمنا ببيعها، والجوع يهددنا ونفاد الغاز يرعبنا وصاحب البقالة يطالبنا بصوت مرتفع وصاحب الإيجار ينذرنا بإخراج أثاثنا المتواضع جداً وطردنا من الشقة، إلى أن فوجئت باتصال من السودان الشقيق يبارك لي فوزي بالجائزة التي لم أستمتع بها لنفسي بل أسرعت بتسديد جزء من ديوني المتراكمة وأمهلت الباقي إلى أن يفرجها الله”.

“كل ما أملكه الآن مكتبتي الحبيبة، فهل سأمتلك شجاعة أخي محمد القعود وأعلن عن نيتي في بيعها، مضطرة، تحت وطأة الحاجة الملحة!! سترك يا الله”، بنبرة وجع وبلغة انكسار، اختتمت آمنة يوسف حديثها الصريح والموجع.

غير بعيد، كان الشاعر طه الجند، كشف، انه لم تعد مكتبته الشخصية في مأمن، في ظل هذه الظروف العصيبة من الجوع والشتات والحرب، وقد تذهب إلى من يشتريها مقابل سداد ديوان وايجارات والتزامات لا نهاية لها.

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *