كتب- صدام الزيدي،،
في فعاليةٍ نوعية مميزة، شهد نادي القصة اليمنية “إل مقة”، محاضرة قدمتها الشاعرة والناقدة أميرة زيدان، تحدثت فيها عن منجزها في النقد الأدبي، الذي نالت بموجبه درجة الماجستير من جامعة صنعاء- كلية اللغات، العام الماضي 2017، “تحولات الشخصية في الرواية النسوية في اليمن”..
في الفعالية التي نسقت لها الكاتبة والقاصة نبيلة الشيخ، وأدارها رئيس نادي القصة محمد الغربي عمران، تحدثت الباحثة أميرة زيدان عن شفرات عنوان رسالتها المنجزة في الماجستير؛ تحولات الشخصية في الرواية النسوية في اليمن، مشيرة إلى تحول مهم من نمطية طرح المواضيع إلى أكثر جرأة في الطرح؛ إذ لم تكتف الساردة في الرواية اليمنية بنقل معاناتها كربة بيت، وتعالقات ظاهرتي الزواج والطلاق، و غيرهما، بل طالبت بحقها في العمل، وخروجها كمناضلة، وتحدثت -بجرأة في مجتمع يبدو محافظا-، عن وجود حبيب.
أما على مستوى الظواهر الفنية فهناك تقنيات تنتمي للرواية، وأخرى تندرج تحت ما يسمى الرواية الحديثة، من خلال استحدامها للتكسر الزمني وعدم التتابع وتوالي الأحداث، ما يعرف بالبداية والوسط والنهاية ومؤاثرته ما يسمى بالعقدة ومرحلة التأزم، والانفراج، كما أفادت الباحثة، التي نوهت -في موضوع الشخصية في الرواية النسوية-، ظهرت الشخصية المسطحة والنامية وأنموذج البطل الاشكالي الذي يبحث عن عالم مثالي في واقع منحط في بعض الروايات.
لكنها نوهت إلى ان “مصطلح النسوية مصطلحاً دارت حوله الكثير من التساؤلات، فمنهم من ينفه ومنهم من يثبته، وحجة من ينفه أنه فعل إنساني بغض النظر عن جنس كاتبه، أما من يثبته فحجته أن خصائص المرأة تختلف عن خصائص الرجل”.
وقالت بهذا الصدد: “التساؤل هنا، لم دائما نكتب لطبقة الأدباء فقط الذين يرون، غالبا، انه فعل إنساني ولا فرق بين رجل وامرأة؟ في حين ان هناك فئة قارئة، ربما، لا تنتمي للفئة المثقفة؛ تنكر حضور المرأة الفاعل في المشهد الثقافي”.
معتبرةً مثل هذه التباينات “محاولة، ليست لوضع المفاضلة مع ما يكتبه الرجل، بقدر ماهي محاولة لتعريف القراء من غير الطبقة المثقفة صاحبة الفكر والجمال بما تكتبه المرأة، ذلك ان ما أخذته الدراسه ما هو بناء صادر عن ذات مؤنثة وعلاقتها بذاتها، وبالآخر”.
وتحدثت زيدان باستفاضة، مبينةً ان الدراسات السردية، حظيت بعناية كبيرة منذ القرن المنصرم حتى يومنا هذا، إلّا أنَّ نقّادنا العرب التفتوا إليها منذ فترة وجيزة تتجاوز نصف القرن؛ ذلك بعد أن وصلت الرواية إلينا بشكلها الحديث من أوروبا التي اعتنت بتقنيات السرد المستمدة أساساً من فنون السينما ومن مخترعات التكنولوجيا الحديثة..
منوهةً انه “مع اقتراب مرحلة التأصيل بدأت الدراسات تتجه نحو تقنيات هذا الجنس لتكشف عن الدعائم الفنية التي تُقيم عليها الرواية بناءها ومعمارها”..
وتابعت: “يعد السرد الأداة البنائية الأولى في تشكيل عالم الرواية، إذ يعرض الأحداث ويربط بين تداخلاتها، وينسق فيما بينها في ترابطها الزمني، وعلى عاتقه تقع مسؤولية تقديم الشخصيات وإظهار خلفياتها الحياتية في إطار الزمان والمكان، وعلى هذا الأساس يصبح السرد أداة تنسيق فنية العلاقات القائمة بين عناصر الرواية كلها”.
وعن تطور الرواية، نوهت الباحثة إلى ان “الفن الروائي في اليمن تشكّل عبر مراحل عدة، وكل مرحلة لها مميزاتها وخصوصيتها في ظل واقعها المعيش؛ إذ جاءت المحاولات الروائية الأولى دونما وعي بأصول هذا الفن، فأتى البناء كلاسيكياً، بلغة سهلة لكنها قادرة على حمل هموم الواقع الذي تحركت فيه، ومع تشكل الوعي الناتج عن قراءة الشكل الروائي الأوربي الحديث، استطاعت الرواية العربية، ومنها اليمنية، أن تُفيد من الشكل الروائي المترجم ومن نظريات السرد الحديثة أيضاً، وذلك على مستوى الشكل والعناصر الفنية المكونة لبنية الرواية وتقنياتها السردية الحديثة، حتى غدت الرواية العربية واليمنية متطورة، تصل إلى مستوى الرواية العالمية مبنى ومعنى”..
وأضافت: “دور المرأة في الإبداع الروائي، يعتبر أحد ملامح التطور الثقافي على المستوى الاجتماعي، إذْ كان التعليم له الأثر الجلي في هذا التطور، وساعد على اتساع قاعدة المبدعات في مجال الفن الروائي، فكان حضورها الإبداعي في نهاية الستينيات، ومطلع السبعينيات من القرن الفائت، عندما نشرت (رمزية الإرياني) روايتها: (ضحية الجشع)، التي لها من الأهمية بمكان، تاريخياً أكثر منها فنياً، كونها كسرت حاجز الصمت الأنثوي- فكان لها الريادة في الكتابة وحمل هموم بنات جنسها، وإن كانت الرواية من حيث الشكل تقليدية وغير عالية في مستواها الفني”..
إلى ذلك، ترصد أميرة زيدان تطورات الرواية النسوية اليمنية؛ إذ تطورت شيئاً فشيئاً منذ عقد التسعينيات التي شكلت بداية لميلاد الرواية النسوية، حسب تعبيرها: “بدءاً بعزيزة عبد الله وروايتها (أحلام …نبيلة)، وإلى جانب ذلك كان لها حضور في الأجناس الأدبية الأخرى كالشعر والقصة”..
ومن هنا (تؤكد أميرة): “جاءت فكرة البحث (رسالة الماجستير، خاصتها)، لتقصّي أشكال الخطاب المغاير الذي قدمته النصوص الروائية النسوية، فكان العنوان موسوماً بـ “تحولات الشخصية في الرواية النسوية في اليمن”، حيث خطت المرأة خطوات واسعة في تأكيد حضورها في المشهد الثقافي، ساعيةً لإيجاد مساحة للإبداع النسوي- أقصد به ما تكتبه المرأة- في هذا المشهد، وقد شكَّل حضورها اللافت ضمن الإبداع النسوي، والروائي منه على وجه الخصوص تزايدًا مطرداً كماً ونوعاً، سيما في العقد الأخير من القرن العشرين وبدايات القرن الحادي والعشرين، حيث كانت الوحدة علامة فارقة لليمن بشكل عام، فضلاً عن الأدب الذي شكّل نقلة نوعية بتعدد أنواعه وظهور كُتّابه، وقد شغل المنجز الروائي النسوي اليمني حيزاً واسعاً في هذا التزايد”.
تستدرك أميرة زيدان، في سياق محاضرتها؛: ” إذا كانت البدايات الأولى من كتابات المرأة قد مهرت بالإلحاح على قضايا المرأة ومشكلاتها وهجاء السلطة الأبوية التي تعوق تحررها، فإن هذه البدايات لم تلبث أن شهدت تحولات عدة، فلم تعد موضوعاتها من صميم خصوصيات (قهرها وعلاقتها بجسدها وذاتها ومجتمعها) فحسب، بل زادت على ذلك، إلى إعادة قراءة الواقع، وأسست لوعي مغاير ونوعي يرهص بالتغيير ويبشر بولادة المرأة الكاتبة”.
أما عن أسباب اختيارها لموضوع “الشخصية في الرواية النسوية اليمنية”، تتابع زيدان حديثها: “اختيار هكذا موضوع نابع من أنَّ دراسة (تحولات الشخصية وتشكلاتها) في بنية الرواية، يمكننا من سبر عمق العمل الروائي بصفة عامة، واكتشاف الذات الأنثوية بصفة خاصة، واكتشاف الخصوصية الإبداعية لهذه الكتابة، حيث إنها تُعلن التماسك بين البعدين الفني والفكري معاً، وهو مقياس محقق للقيمة الجمالية لبنية الرواية، وأيضاً لإبراز إمكانية استخدام (تحولات الشخصية) في النقد التطبيقي؛ ذلك لأنَّ مرحلة الرواية -الخاصة بالمرأة- التي بدأت نهاية الستينيات من القرن العشرين، لم تشهد ما شهدته من تغيرات ملحوظة بعد منتصف التسعينيات إلى الآن. فقد شهدت طفرة نوعية كماً ونوعاً، واتسمت بالوعي والانفتاح المعرفي للروائيات، ولعل أبرز ما يميز هذه المرحلة المغايرة والاختلاف في طرح الموضوعات، فضلا عن انها قدمت موضوعات المسكوت عنه، وأعادت مسألة ثيمة الاغتراب الداخلي (النفسي) والاغتراب الخارجي (المكاني).
وأضافت أميرة: “تأتي أهمية هذه الدراسة من خلال محاولة البحث في الأدوات الإجرائية التي تمنح النص السردي تفرده وجماليته؛ الكشف عن تشكلات ومكونات الشخصية، وإبراز تقنيات بنائها الحديثة، في إطارها الثقافي والفني الذي نسجت فيه الروائية اليمنية كتابتها بمهارة واعية عبر مناخ درامي حكائي، ناتجاً عن الهم الفردي وانتقالاً للهم الجماعي، ومدى تأثرها بالظروف الاجتماعية التي عاشتها، وتكمن أهمية الشخصية في اهتمامها بتصوير المجتمع الإنساني، كما تأتي أهميتها – أيضا – من محاولة إبراز موقع المرأة اليمنية في النسيج الثقافي اليمني من خلال خطابها الروائي، ودراسة حضورها الفاعل في العمل الثقافي والاجتماعي بوصفها امرأة إيجابية فاعلة”.
وأوضحت زيدان ان “منهج الدراسة استند على إجراءات استقرائية في ضوء مفهوم السرد؛ إذْ إنَّ دراسة طبيعة الشخصية (المتشكلة من خلال تقديم الروائي لها، أو تقديمها لنفسها أو لغيرها) مرتبطة بالسرد ارتباطاً وثيقاً، حيث إنَّ السرد هو: الكيفية التي تُروى بها القصة (الحكاية)، وتخضع لمؤثرات، بعضها متعلق بالراوي والمروي له، وبعضها الآخر مُتعلِّق بالقصة (المروي)، ومعلومٌ أن القصة لا تتحدد بمضمونها فقط، ولكن بالطريقة التي تُقدَّم بها القصة المحكية في الرواية، مرتبطة بمجموع ما يختاره الراوي من وسائل وحيل لكي يُقدِّم القصة للمروي له، ويتبدّى لنا رسم الشخصية– التي تُشكل المجتمع الروائي- من خلال جمع خيوطها من النص الروائي كله بجميع وحداته السردية، وهو ما يتطلب بالضرورة تقصي (المروي) وتمحيص معانيه ومبانيه، وتأمل أساليبه في إطار أبعاد الشخصية التي تتبدى صراحة أو ضمناً. والدراسات السردية الحديثة اعتمدت على مجموعة نظريات تبنتها المناهج البنيوية واللسانية”..
وتابعت: “تحدث البحث في الفصل الأول عن تحولات الراوي وتشكلاته، وهو في أربعة مباحث: من خلال علاقة الشخصية بالراوي بضمير الهو، وضمير المتكلم، فضلا عن المخاطب، والمتعدد.أما الفصل الثاني، فقد تناول تحولات الشخصية في بنية السرد الروائي من خلال علاقة الشخصية بالحدث الروائي، وكذلك مع عنصري المكان والحوار، كما تعرض الشخصية بالوصف.
وتناول الفصل الثالث تشكّلات صورة المرأة والرجل في الخطاب النسوي”.
على ان معوقات كثيرة اعترضت الباحثة في مشوار بحثها ابتداء بتتبع الروايات؛ عدم توفر كثير منها في المكتبات العامة فضلا عن توفرها في دور خارجية؛ ما دفعها لتصويرها من أصحابها أو ممن يقتنيها، إضافة إلى قلة الدراسات حول الرواية النسوية في اليمن بشكل خاص، سوى بعض الدراسات المبثوثة في ثنايا الأطروحات والكتب والمجلات. إلى جانب أنَّ الأوضاع الاقتصادية التي تمر بها البلاد أسهمت في إظهار صعوبات لدى الباحثة، التي عملت على التغلب على مثل هذه العقبات، كما تقول أميرة، التي توقفت في مشوار بحثي مضنٍ، متناولةً: (عزيزة عبد الله وروايتها (أحلام..نبيلة)، هند هيثم وروايتها (حرب الخشب)، نادية الكوكباني وروايتيها (حبٌّ ليس إلّا، وسوق علي محسن)، نبيلة الزبير وروايتها (إنه جسدي)، لمياء الإرياني وروايتها (امرأة.. ولكن)، شذا الخطيب وروايتها (بيت البنفسج)، سيرين حسن وروايتها (في تابوت امرأة)، ندى شعلان وروايتها (بئر زينب)؛ لمحاولة الوصول إلى نتائج مستمدة من عمق هذا المنجز السردي. ذلك ضمن سعي جاد لأن تكون النماذج متنوعة، على مستوى الموضوع، وعلى مستوى الظواهر الفنية التي تعطي خصوصية هذا السرد”.
في ختام محاضرتها، دعت الشاعرة والناقدة زيدان، إلى “تناول الرواية النسوية اليمنية بمزيد من الدراسات الأكاديمية، لإخراجها من نطاق المحلية إلى مصاف الدراسات العربية؛ ذلك لأن عملية النقد تعمل على تشجيع الكاتبات وتطوير مهاراتهن بشكل أكبر”..
وشددت، أيضاً: “لابد من الوعي بالتجارب العربية، لتكوين معرفة حول التحولات – في الرواية النسوية-، من حيث البناء الداخلي والخارجي وتمظهراته، مع مراعاة درجات التلقي”، لتنهي بذلك واحدة من أهم الفعاليات النوعية التي دعا إليها نادي القصة اليمني، في سياق مبادرة تكريمية للنساء اليمنيات؛ على طريق فعاليات يومهن العالمي، كان الغربي عمران، أعلنها في وقت سابق، بحسب عضو إدارة النادي القاصة نبيلة الشيخ.