المهرجان الشعري بسيدي بوسعيد: طائر الشعر يحلّق بملايين الأجنحة

عبد الفتاح بن حمودة (ايكاروس) تونس

كانت مدينة سيدي بوسعيد قِبلة الشعراء الذين جاؤوا من كل الأصقاع، فقد انتظم الملتقى في دورته الرابعة من 22 إلى 24 جوان المنقضي. وذلك بتنسيق مدير الدورة الأستاذ والشاعر والمترجم معز ماجد وهيئة المهرجان ودعم بلدية سيدي بوسعيد وجمعية سيدي بوسعيد للمالوف والتراث الموسيقي ووزارة الشؤون الثقافية ووزارة السياحة والصناعات التقليدية والخطوط الجوّية التونسية والمركز الثقافي الايطالي والسفارة البولونية والسفارة الإسبانية ودار زرّوق ومؤسسة الباجي وغيرها.

شعراء بكل اللغات:
تكمن أهمّية الملتقى في أنه كان محطّ أنظار العالم إذ جمع شعراء من تايوان (لي كيو شيان/ لين هسيو ماي/ تشان هسيو تشان/ ومن بولونيا (هاتف جنابي بولوني من أصل عراقي) وصربيا (جوفانوفيتيش دانيلوف) والبرتغال (خوسيه باولو سانتوس) وتركيا (ايفي دويان) والعراق (صلاح فائق عراقي مقيم في الفيليبين) واسبانيا (ادواردو موغا ولاورا كاسيّاس) وايطاليا (دافيدي رونديني) والمغرب (محمد بنطلحة) ومالطا (اليزابيت غراش) وفرنسا (ايفون لو مان) وفلسطين (علي العامري) والسعودية (غسان الخنيزي) وروسيا (ايغور سيدْ، الذي تعذر عليه الحضور) ولبنان (فيوليت أبو جلد) وتونس (فضيلة الشابي ومحمد الناصر المولهي وصبري الرحموني وأمل خليف وأسماء غيلوفي وخديجة قضوم وسمير المرزوقي وعبد العزيز قاسم).

برمجة مكثّفة:
تمّ توزيع فقرات شعرية مختلفة للضيوف على عديد الفضاءات السياحية والترفيهية بسيدي بوسعيد طيلة ثلاثة أيام مثل دار زرّوق ومقهى عمر ودار العنابي ودار سعيد والحدائق العالية وسيدي الشبعان وغيرها… أما المرافقات الموسيقية فكانت للأساتذة محمد علي بالشيخ ومحمد أمين الكعبي وزبير المولهي (أعضاء جمعية سيدي بوسعيد للمالوف والتراث الموسيقي).
كانت دورة مليئة بالفقرات الشعرية الموزعة على فترات مختلفة طيلة ثلاثة أيام ولعل كثرة الفقرات الشعرية قد أرهقت الضيوف حيث كان بعضها في توقيت متأخر فبعضها كان على الساعة العاشرة والنصف ليلا وبعضها كان في منتصف الليل إلى الواحدة والنصف. ولقد اقترح بعض ضيوف المهرجان إلغاء السهرات الشعرية المتأخرة في التوقيت لأن الجمهور لن يحضر في وقت متأخر جدّا والإبقاء على أمسيات شعرية في المساء فقط كما اقترح ضيوف آخرون ندواتٍ نقديةً صباحية تهتمّ بتجارب شعرية للضيوف القادمين.
وكان يمكن أيضا استغلال الفضاء الرائع النجمة الزهراء (مركز الموسيقى العربية) باعتبارها أجمل الفضاءات التاريخية بسيدي بوسعيد (قصر البارون ديرلانجي) لكلّ الأمسيات الشعرية للضيوف.

الشاعر والمترجم معزّ ماجد:
رجل وهب حياته للشعر في زمن يخذل الشعر
لقد ثبت طيلة الدّورتين الأوليين سواء بحضور «أصوات حية من المتوسط» على الطريقة الفرنسية لمهرجان «سيت» أو بالطريقة التونسية في الدورتين الأخيرتين أن العمل دؤوب بقيادة الأستاذ والشاعر والمترجم معز ماجد الذي ما انفكّ يبذل جهودا جبارة طيلة أشهر من أجل التنسيق والبحث والترجمة كي يبلغ الملتقى دورتَه الرابعة بنجاح. فقد أصيب للأسف بوعكة صحية ألزمته الفراش أيام الملتقى نتيجة التعب والإرهاق. وتمنياتي للأستاذ الشاعر معز ماجد النجاح والتوفيق في الدورات القادمة فما عرفته عنه أنه مثابر ومجتهد وخلوق وهو من خيرة النّخب التونسية التي دعّمت سلطان الشعر والإبداع كتابةً وترجمةً وحسن استقبال للضّيوف. كما أنه ارتأى أن تكون سيدي بوسعيد قِبلة شعراء كثيرين العام القادمَ. ولقد كان لي شرف عظيم أن كنت ضيفا في دورة 2015 مع ثلّة من الضيوف الرائعين مثل الشاعر والناقد المغربي صلاح بوسريف والشاعر منصف غشّام والشاعر الراحل (حسين القهواجي) والشاعر الطيب شلبي وغيرهم من الضيوف ومن بين الآثار الجميلة التي تُحسب للملتقى أنه أصدر كتابا رائعا فيه قصائد الشعراء الضيوف عام 2015 باللغتين العربية والفرنسية كي يتمّ حفظ ذاكرة المهرجان الشعري. وأرجو أن يعود تقليد نشر كتاب فيه نصوص الضيوف باللّغتين العربية والفرنسية على الأقلّ.

الشعر العربي وحجم التمثيل:
يبدو حسب برنامج المهرجان الشعري بسيدي بوسعيد أنّ عدد المدعوين من دول أجنبية صديقة أكبر من عدد الشعراء المدعويّن من دول عربية شقيقة فعدد الشعراء العرب (وأرجو تلافي هذا الأمر في دورات قادمة) كان أقل من عدد الشعراء الأجانب فثمة تجارب شعرية عربية مهمّة جدا في خارطة الشعر العربي من دول شقيقة مثل مصر ولبنان واليمن والجزائر والأردن والسودان وسوريا وليبيا وغيرها. أما ّعدد الشعراء التونسيين فهو يعتبر مقبولا.
وأعتقد أنّ الإخوة في مهرجان سيدي بوسعيد وعلى رأسهم الأستاذ والشاعر المترجم معز ماجد قادرون على تلافي هذا باستضافة عدد أقل من شعراء أجانب فتايوان كان يمكن أن تكون ممثّلة بشاعر واحد بدل ثلاثة واسبانيا كان يمكن أن تكون ممثلة بشاعر واحد بدل اثنين أما الاختيار على الشاعرة التونسية الكبيرة فضيلة الشابي فكان صائبا وكذلك اختيار صوتين من الحركة الشعرية الجديدة هما محمد الناصر المولهي وصبري الرحموني في انتظار حضور أبرز الأصوات الشعرية التونسية الأخرى في دورات أخرى فالشعر التونسي المعاصر يشهد تطوّرات ملحوظة في العقد الأخير.

الحدث الثقافي الأبرز:
كانت المفاجأة رائعة جدا باستضافة رائدين من رواد الشعرية العربية الحديثة هما صلاح فائق (العراق) لا ومحمد بنطلحة (المغرب) في انتظار دعوة رواد الحداثة الشعرية العربية مثل وديع سعادة (من لبنان) وعبد المنعم رمضان ومحمود قرني (من مصر) لأنّ الخارطة الشعرية العربية تغيرت كثيرا نحو آفاق شعرية أرحب وفاضل عزاوي وعدنان الصايغ وعبد الكريم كاصد (من العراق) ووساط مبارك ورشيد مومني (من المغرب) وهذه أسماء على سبيل المثال لا الحصر والخارطة الشعرية العربية الحديثة والمعاصرة تتّسع لعشرات الشعراء الذين لم أذكرهم وهم بالعشرات في كلّ بلد شقيق.
_____________
*جريدة “الشعب” تونس
الخميس 5 جويلية 2018

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى