هشام يوسف فراش
ابتعدي عن طريقي ودعيني
أتأمل ما حدث
ولن أعدم طريقة تعفيك من الحرج
رغم أنك تعرفين
وأعرف أنه لن تُجدي الأعذار
اسمحي لي بأن أرحل
فلم أعد أتحمل
ولم يعد هناك شيء يغريني بالبقاء
محاطا بسياج
من خيوط العنكبوت
نسجته بيدي هاتان
اللتان تطلبان الآن
كسر قيود أسير
ذليل بسجن عينيك
سأتخلص من عشقك
و قبضان سجنك
لن تجبرني
ذكرياتنا المتبعثرة
في كل مكان
على البقاء
و سأتحاشى رنين
أصداء كلماتك
التي تنقر أضلعي
سأعبر بحذر
كل تلك المساحات البيضاء
التي سرت فيها خلفك
أتبع ظلك
عيناك لم يجذبني ضوئهما
ولم يأسرني ألقهما
وجهك الأبيض الطفولي
لم يجبرني
على توقيع اتفاقية ذل لظلك
ولكني كنت أبحث
عن ظل يحتويني
كيف كانت البداية:
تقابلنا في ردهة محطة الانتظار
مسافر أنا برتل من الحقائب
وأنتِ بلا حقيبة
لا يوجد بيدك تذكرة
تدلك على محطة الوصول
لاشيء سوى
نظارة مكبرة تتفحصين
بها وجوه المسافرين.
وحين غادر آخر قطارات الزمن
محطة القدر
وضعت يداي بأذناي
أحجب عنهما صافرة الرحيل
ولم يتبق أحدًا
بالمحطة سوانا
أنتِ وأنا
كبرياؤك كأنثى
فرض عليك
أن تديري لي ظهرك
وشيطاني كرجل
حدثني أنك قد تحتاجين
بينما أنا المسكين،
ولكن نظراتك بدت واضحة
وهي تتفرسني
بينما أعيد لك نظارتك المكبرة
التي أسقتطها عمدًا كما أظن.
— متى سيصل قطارك؟
– ليس قبل الصباح
— ستظلين هنا؟
– لن أبرح فلاشيء لدي بالخارج
— هل لليل بقية؟
– إذا وصلنا الضوء سنخرج للشمس
توالت الحوارات
واقتربت المسافات
لم أشعر ولم تشعري
بكل تلك الأوتاد
التي غرسناها سويًا
على رصيف المحطة
والتي منعتنا
أن نلحق بقطارت عديدة
جاءت وذهبت
ولم يتبق منها
سوى صافراتها
تشق السكون
استرحمنا السماء
لتمطرنا رذاذًا
يغنينا عن الماء
فكانت دموعنا
واكتفينا بقصص الحرمان
نتغذى بها.
ولكن عندما حل الشتاء
وبدأت خيوط الثلج
تلوح بمفرقي
أحسست بالبرد
بينما تجلسين أنت
بقرب مدفأة الذكريات
لا تسمحين لي بالاقتراب
فرغم وحدتنا
كل هذه الأيام
لم أتجرأ
على الاقتراب منك
بل ظللت أحلق حولك
حالمًا عابثًا
بكل شيء إلا أن أقترب
أحضر وأنا غائب
وأسمع وأنا أبكم
تورمت قدماي
من الصقيع
واهترأ معطفي
من الريح
وتناثر ريش جناحيّ
من الطيران
وأنتِ لا زلتِ
كما أنتِ
تأمرين وتنهين
وتتمنعين وتتدللين.
وحين قررت
تغيير مكاني
صرخت في وجهي
باتفاقية وقعت عليها
بدمي ولكني لم أقرأها
حجبها عنى
سواد شعرك
وأغشتني عيناك
فلم أفكر
سوى بالبحث
عن مكان لإبهامي
لن أقبل بالبقاء
وسأعلن تمردي
وعصياني
سأغسل وجهي
بماء الحزن
وأمضي بهدوء
لا يهمني
إن كنت لا أملك وثيقة سفر
تسمح لي
بمغادرة حدودك
وأن صباحك
سوف يلازمني
وأني سوف
أصطدم بأسوار عجزي
وسوف يغرقني
طوفان حزني
وسوف لن أجد أذنًا
لمفرداتي
سأقبل بسجن الوحدة
عقابًا
فالسجن قدري
أنا لا أرحل عنك زاهدًا
مذنبًا ولست تائبًا
ولكني أرحل مُكرهًا
سأرحل وبين يدي
حقيبة واحدة فقط
فقد أضعت رتل الحقائب
سأرفعها عاليًا
حتى لا تدل قطرات
اللوعة والحرمان والفقد
وهي تتساقط منها
على محطتي الجديدة
فأنا أدمنت السفر.