فضاءات الدهشة

يهتم بالكتابة المدهشة..رئيس التحرير أحمد الفلاحي

نصوص

أشيدُ الطابق العاشر وحدي !

عامر الطيب

 

 

لا أجدكَ في الشارع
ولا في المجلات الملقاة على الأرصفة،
لا في أصوات الدراجات
ولا في البناية ذات التسعة طوابق فقط
هي بناية
عالية و دافئة كغرفة خشبية.
تسعة طوابق فقط
لكن العرافات همسن بأذني كعادتهنّ
” يوجد طابق عال و مخف عن الأنظار ”
الأمر الذي جعلني
أشيدُ الطابق العاشر
وحدي !

ليلة ما أحببتُ لم أكن
خائفاً كما لو أنهم قيدوني في غرفة
بضوء عالٍ،
لم تكن لدي نجوم
تدلني،
لم أسمع سوى
تلك الجلبة القديمة
لأغان أطفال وديعين .
ليلة ما أحببتُ
لم يعد بوسعي أن أكون ناسكاً ،
أمسكتُ بيد
السائق
و رجوته أن يقود ببطء
فإن السرعة المفرطة
قد توصلني إلى بيتي!

كيف أحببتني إلى الأبد
كجرحٍ في عنق حمامة؟
كيف أهديتني كلمات حزينة
كأرجل طائر ؟
إنني ساحرة و حيلي مألوفة كأقمشة ،
غريبة أطوف
البيوت مثل ساقية ،
جسدي مسكون بالإشارات
و عليّ أن أنسى
ما لم أقله حقاً فقط !

كيف يُساء فهم امرأة
أحبتني أنا الجدول الصافي لنساء
وحيدات؟
لقد ركبتُ عربتي
و رحت أقودهن كبوذا صغير حول الحقل .
أقمنا في القرى
العابرة قليلاً
و أحببنا الينابيع التي تلمع كدموع
و الخطى التي تسرع كشلالات.
بالفعل كان كل شيء
ماضياً بقوة هائلة صوبَ ما لا يُرى!

أيها الحب
عندما ظمئتُ لم تفضْ،
عندما جعتُ لم تهبني كرسياً على المائدة ،
عندما ركبتَ عجلتك لم تنتظرني
وعندما اختنقتُ وحيداً
على سريري
لم تثرثر من أجلي،
لم تحك لي قصة واقعية أو أسطورة .
أيها الحب
ها قد عدتُ خائباً
الأبواب مفتوحة
لكن الجدران هي التي انسدتْ في وجهي!

ضعوا جسدينا في تابوت واحد
اكتبوا على قبرنا
الشاهدة ذاتها،
و ارسلوا لنا الأزهار الصفراء
كجسور بعيدة.
إننا عظام عارية تماماً
دون أن يبدو علينا ذلك،
ها هنا بإمكاننا أن نحب
بصفاءٍ
إذ الموتى لا يهبون أنفسهم .
هنا بإمكاننا أن نحب
ببذاءة
حيث من يموت لا يتصبب عرقاً !

سأرقص في الشارع
فيظنونني قد احترقتُ،
بكعبٍ عال أقفز من مكان إلى آخر
غير مبالية
بالسيارات التي تمر
إنها مثل البشر ،عيون عمياء
عما أعيشه من مرح
وأنا حزينة .
أود أن أقول:
إنني أقف راسخة
منذ ما يقارب من مئة قرن
لأن الحب سيجيء
بأثقل من خطوات الطفل
و بأسرع من زلزال !

لم يكن حبكِ حباً
لعله جمرة صغيرة
وضعها أحد الرجال بيدك
دون أن يقصد .
لكن الأمر يتطلب شجاعة كبيرة
أن تصافحي
الجميع
أو تلوحي لهم
و بيدك الجمرة متوهجة
أو منطفئة
إلى الآن و انتهى كل شيء.
الحب جزء من حلم أحدنا
وقد حلمتُ بك
وأنت تغرزين الجمرة
نفسها بيدي !

في الرابعة فجراً
صليتُ الله و قد غلبني النعاس
في الطريق القصير
بين غرفتي و الحمام
لم يكن بيننا إلا باب خشبي
بلون الروث .
صليتُ متوجعاً
قذفتُ الكلمات بمشقة
و بكيتُ برقة غير مسبوقة
يا إلهي إنني معذب بوساوسي :
أحلم إن أصدقائي سيخونونني
رفيقتي الحزينة ستتوقف عن اسنادي بكتفها ،
أهلي سيدفنون رؤوسهم في الريح ،
حياتي ستنبت لها جذور .
أحلم أيضاً بأن كل من حولي
أعداء يصيحون بفزع كأطفال:
لأن المياه ضيقة كعيون المجانين
لأن الهواء يسمو إلى النجوم
و اليابسة لا تسع
الأسماك !

 

شاعر من العراق.

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *