د.عبدالحكيم باقيس
هذا هو الانطباع، أو النتيجة التي سيصل إليها المتأمل في واقع هذا الاتحاد الذي كان من منارات الحداثة والتجديد والانفتاح على آفاق من الإبداع والفكر والحرية والتأثير على الحياة الثقافية في اليمن، فأصبح الآن بعد تراكم النكوص مجرد جماعة أدبية معزولة عن وظيفتها في التأثير الإيجابي، وتأدية رسالتها الاجتماعية والثقافية..
صحيح أن اليمن شمالها وجنوبها وشرقها وغربها تعيش آثار محنة كبرى في تاريخها الحديث منذ نحو ثلاث سنوات وأكثر، لكن الصحيح، والصحيح جدًا، أن هذا الاتحاد قد صنع محنته بنفسه قبل أن تدخل البلاد في هذه المحنة الكبرى، فقد دبر وبكر في إغلاق أبوابه على نفسه، وعلى مصالح مجموعة من أفراده المنتفعين بهذا الوضع المشلول على المستوى الأمانة العامة والفروع، وتحول إلى ما يشبه الإقطاعية الخاصة بمصالحهم وحدهم، فأوصدوا أبوابه على التجديد الذي هو سمة الحياة وديمومتها، وفقدوا القدرة على المبادرة واجتراح الحلول، بل جمدوا عروق الاتحاد إلى درجة التحنيط، وشواهد ذلك كثيرة، منها رفض النظر إلى متغيرات المشهد الإبداعي في اليمن، والتعاطي معه بمسؤولية، وهو المشهد الذي يتصدره جيل جديد من الكتاب الشباب الذين استطاعوا بكفاءة إبداعية أن يلفتوا النظر إليهم منذ أكثر من عقد من الزمان، وبدلا عن رعايتهم في ظل كيانهم الأدبي والثقافي، راح بعض كرادلة الاتحاد يمارسون شعوذاتهم وطقوسهم البيروقراطية من أجل نفي أية أصوات إبداعية جديدة تغذي شرايين الاتحاد، وتعيد إليه قبلة الحياة، وهل يعقل أن المئات من الأدباء الشباب، وغير الشباب كذلك من مختلف المحافظات خارج بيتهم الحقيقي وكيانهم الطبيعي؟!، نعم، يحدث هذا، لأن هناك من أغلق دونهم الأبواب، ومارس عليهم كل ما يتنافى مع وعي الكاتب والمثقف الحقيقي، ومؤشرات واقع الممارسة العنصرية والاستبعاد ليست بخافية على المتابع للواقع البائس الذي يعيشه من اختطفوا الاتحاد من مجتمعه ووظيفته وحولوه إلى هذا الكيان المعزول.
إن النضال الحقوقي النقابي الإبداعي الذي يقوده الآن شباب الكتاب من خارج الاتحاد من أجل انتزاع حقهم في العضوية والانتساب إلى الاتحاد ليس مطلب هؤلاء الشباب وحدهم فقط، وإنما هو مطلب كل من حرموا من حقوقهم المعنوية والمادية منذ سنوات طويلة، وربما لعقود، مثل كتاب الجنوب الذين كانوا أول ضحايا العنصرية والاستبعاد عن الاتحاد، على الرغم من مكانتهم الإبداعية، ومن أمثال عشرات من النقاد الكتاب من الأكاديميين من مختلف الجامعات اليمنية، والذين لهم دورهم وتأثيرهم غير المنكور، ولكن لم تقبل عضويتهم في ظل سياسة الاستبعاد التي يمارسها الاتحاد!.
إن الاستجابة لمطالب الكتاب المطالبين بتفعيل دور الاتحاد وحقهم القانوني في عضويته ليس منة أو تكرًما ممن يمسكون بتلابيب الأوراق والأختام، لأن ذلك هو المطلب والحق الحقيقي، ووظيفتكم يا أمانة الاتحاد ورؤساء الفروع أن تبادروا إليهم، والتنقيب عنهم، ولكنه الواقع المقلوب، والحق المسلوب، ومن نكد الدنيا على الأديب في هذه البلاد تحول بعض الكيانات الأهلية والمدنية إلى سلطة أخرى موازية للسلطات الاستبدادية السياسية، فهل بقي شيء من الأمانة في أمانة اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين؟!، وهل يحرر الاتحاد نفسه من أغلاله ويضرب المثال برسالة الكتاب والأدباء النبيلة في مقاومة الإحباط والنكوص؟!. ولا سبيل غير هذا، وإلا كفوا عن الحديث عن الاتحاد وتمثيله، وخلوا بين شباب الكتاب في استعادته كما يجب أن يكون.
__________
*أكاديمي وناقد يمني، رئيس نادي السرد بعدن