محمد شنب
خالتي لقد كنتِ أكبر حظا حين متِّ قبل أن تعيشي في هذه السنوات النحسات التي أصبحت تمارس العهر السياسي والهجين أمام كل عابر سبيل.. الحمد لله يا أيقونتي الطيبة لأنك أعطيتِ كل عابر سبيل دون مقابل.
خالتي وردة ورحمة من الله تعالى للجميع ها أنا أقتات من حزني خبز البقاء لأكتب عنك في زمن الحرب والأحزان.. في زمن كوارث البشر وغريزتهم الدموية وحرصهم على إبادة الإنسانية مد وجزر العصور وهي مثخنة بالجراح الإنساني.
الحمد لله لأنك متِّ وأنت تشتهي الموت وأنت قانعة من الحياة إلا نحن كنا نتعطش لك ولوجودك معنا في كل مناسبة..
الحمد لله خالتي بأنك جرح نحبه ونطعمه من أرواحنا ليعيش معنا متعافيا بالدماء والدموع والحب..
الحب الذي أصبحت فلسفته أن يموت من نحبه قبل أن يرتكب جريمة النسيان والكره.
منذ غادرتِ وسقف منزلنا مفتوح للأمطار والإعصار والشمس والبرد لقد كنتِ سقفا دافئا وحنونا لا يتعب حتى غادرتِ آخذةً معك الشمس ومعطفها البرتقالي وتركت لنا جلبابها الرمادي..
منذ رحلتِ لم يعد القمر قمرا منيرا ولا العصافير تُسَبِّحُ في كل صباح مع (رَجّ اللبن) و(تسريح الأغنام إلى الذاري) لقد كان الفراغ يتسع الأفق دون مقاسات للفضاء كي نلبسة زينة للعيد وللمساء..
وجه خالتي جرح ينمو كالأطفال والأشجار.. ينمو كبيرا يوازي الفراغ الشاقولي.
وجهك طفل جميل ينمو مسافرا دون أن يصل إلى مرفأ الذاكرة والروح.. خمس سنوات ونحن نعاشر الحزن على الفراش ونمارس معه عقاقير من الجراح لعلها تخفف القروح من مدامعنا.
أرواحنا عارية تحتسي ريح الحنين أرواحنا دون حُجُبٍ من نورك أوتعويذة منك فقد أصبحنا بلا درع يحمينا من رياح الحنين وعواصفة التي تهدد بغزونا منذ ابتعدت يداك عن أرواحنا.. منذ اغلقت أهدابك وسحبت معطفا من الرقيا والآيات.. لقد لعبت بنا الأيام ولعب بنا الحنين وأصبح عالمنا أكثر عبثية بنشر ثقافة الخوف والجوع في تشققات جراحنا الحزينة.