فضاءات الدهشة

يهتم بالكتابة المدهشة..رئيس التحرير أحمد الفلاحي

كتابات

الرؤية العامودية للأسفل!

صونيا خضر

 

لماذا نحرّم على أنفسنا الخروج من واقعيتنا المؤلمة نحو خيالاتنا المحلقة في عوالم تشبه ما نريد أن تكون عليه عوالمنا؟ في اللحظة التي نستطيع فيها التجرد من واقعيتنا وواقعنا نصبح كائنات خفيفة قابلة للطيران، وفي الصدفة التي تؤمن لنا من يشاركنا تلك اللحظات، يشتد ايماننا بامكانية تحققها أو وجودها.

ما الذي تقدمه العلاقة، وما الذي يجعلها حميمة فوق اللزوم، مكلفة فوق اللزوم ضبابية فوق اللزوم أيضاً؟

الحب هو أقل ما يمكن أن يحدث لدى التقاء روحين متعبتين على قارعة الغربة الكونية، في الوقت المحدد تماماً وفي المكان المحدد تماماً، يصعد الضياع صعوداً وكلما ارتفع الانسان مع هذا الضياع يفقد ما يمكن أن يتكئ عليه لأجل أن يحافظ على اتزانه.

الرؤية العامودية للأسفل، تعاظم من غربة الروح، في الأسفل كل شيء يسير بشكل اعتيادي، العالم يتزاحم حول مركز لا يدرك جدواه، الولادات والأعراس والجنائز تحدث في ذات الأمكنة، يخرج الحزن من باب ويحل محل الفرح الخارج لتوه من باب آخر، وقد يتصافحان قرب الأبواب، ثم يمضيا كل في طريقه وحيث تقوده خطاه، تحدث الأشياء من دون سبب وتنتهي من دون سبب أيضاً، فيما يرتفع الغرباء كل واحد على خط ضياعه محملاً بهواجسه الخاصة، إلا أن العلو وعلى رحابته يحتمل لقاء ضائعين، وقتها تنكشف الوحدة على حقيقتها وبشاعتها، وقتها يتجلى الخوف في أبهى عطاياه، يمنح كل ما يملك لقاء التخلص من الاحساس المقيت بالغربة والوحدة، يجلس الغريبان على قمة غربتهما، ويتبادلان الكلام والطعام والنوم، يرتفعا فجأة إلى قمة العالم، وهما يستردا انسانيتهما الضائعة ويمارسا طقوس الغربة جماعة لتصبح أجمل ما حدث لهما.
_______________
*من رواية “من البحر جئت.. إلى البحر أعود” للكاتبة، ترى النور قريبًا..

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *