الرئيسية / نصوص / أوراق نعناع حياتي

أوراق نعناع حياتي

أسماء حسين

 

عندما جمعت أول باقة نعناع نجحت في زراعتها، تورطت بها. احتضنتها بأصابعي كما لو كانت شيئًا هشًا يسهل تهشمه بمجرد ملامسة، وضعتها في السلة على طاولة الطعام وجلست أتأملها، بحب وقلق، لا أعلم ماذا أفعل بها ! رغم كل خططي لاستهلاكها قبل الزراعة. الآن لا أدرى.. أأحتفظ بأوراق النعناع دون إهدار جمالها في مزهرية حتى تتلف، أم أضيفها كما خططت لها إلى شاي الصباح الذي اعتدته حديثًا، وأودّعها هناك، هل أستلكها هكذا سريعًا دون أن أحتفي بإنجازي في جلبها للعالم وعاطفتي نحوها؟ هل أطحنها؟ أو أضيفها لعصير الليمون. أوراق النعناع تلك لا تختلف كثيرًا عن الأوراق التي لطالما اشتريتها من محلات الخضار لكن شعوري تجاهها يختلف تمامًا، فعلى مدى ثلاثة أشهر كنت أرعى النبتة الأم كأني أمها، ري، تشميس، تسميد، ثم ماذا؟ أأستهلك المحصول الذي أكاد أكون أمه في ربع ساعة يوميًا خلال بعض أيام. لم أستسغ الفكرة بسهولة، كنت كمن نحت تمثالًا رائعًا من الثلج بيديه ثم تورط برعايته لئلا يذوب. هذا ما أشعر به تجاه كل الأشياء التي أتورط بها عاطفيًا ويصعب علي التخلي عنها، لأنها تصير جزءًا مني لا أحتمل بتره، ثم تتخلى هي بطريقتها عني وعن نفسها. وحتى حياتي نفسها، ستفعلها يومًا. أثناء خلافي السخيف هذا مع أفكاري طرق ابن أخي الباب، أرسلته أمه لي فقد نفد البصل من مطبخها وتطلب البعض من مطبخي، والبصل من أكثر الأشياء التي نتبادلها في بناية العائلة، ويبدو أننا نتبادل أسباب البكاء المتنكرة من حقيقتها أمامه أيضًا دون أن نعلم. وضعت البصل في كيس بلاستيكي وبحركة سريعة غير مفسرة وضعت أوراق النعناع في كيس أصغر وألحقتها به وأعطيتها للفتى دون حاجة للشرح. شعرت بعدها بوخز وداع قصير، لكنني شعرت أيضًا أنني تخلصت من عبء ثقيل على قلبي صنعته بيدي. أحيانًا يدفعنا غرورنا العاطفي لفعل أشياء لا نحتاجها فقط لنثبت لأنفسنا أننا قادرون على صناعتها. وللإبقاء على أشياء في طريقها للموت فقط لنثبت لأنفسنا أننا قادرون على رعايتها. ثم نتورط بها للأبد. أحيانًا يشبه الأمر ما يحدث حين ندع الحب يدخل إلى أرواحنا الخالية، المستقرة في وحدتها من قبله، يمنحها عمرًا دافئًا تتورط عاطفتنا به لكنه يقلبها رأسًا على عقب للأبد. ولا تعود كما كانت قبله. هذا بطرح احتمالات المحبة التي قد تنقلب علينا نحن أنفسنا. أو يحدث حين نتورط بخلق عائلة وإحضار روح جديدة إلى العالم، سنقف عاجزين أمام ورطة نموها فيما بعد. ونمو عاطفتنا ونقاط ضعفنا معها. وأشياء كثيرة نقف أمامها ونسأل.. ماذا نفعل بها الآن؟ بعد أن تورطنا إلى هذا الحد.

وأحيانًا يكون هذا نفس ما أشعر به نحو الاستمرار في الكتابة، أو عواطفي في الحب، أو الانتماء إلى العائلة، أو محاولات الرسم الجديدة، وكثيرًا نحو حياتي بأكملها.

..

أنا متورطة بقلبي. وقلبي نقطة ضعف كبيرة أعجز عن بترها. فقط تنمو وأنمو معها. وكذلك حياتي.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

x

‎قد يُعجبك أيضاً

تلك الحياة

غسان زقطان ذاهبٌ كي أَرى كيفَ ماتُوا ذاهبٌ نحوَ ذاكَ الخرابِ ذاهِبٌ ...