فضاءات الدهشة

يهتم بالكتابة المدهشة..رئيس التحرير أحمد الفلاحي

شعر عمودي

وداعاً أخي…

رعد السّيفي

 

في رحيل شقيقي رياض رحمة السّيفي

 

سلامٌ على الأرضِ الغريبةِ عَنْ بُعْدِ
أَنِسْتِ بلقيا الرّوضِ في وحشةِ اللّحدِ
أنستِ بِمَنْ تهفو إِليهِ قُلوبُنا
ومَنْ كانَ أحنّى النّاسِ في نشوةِ الوجدِ
أخاً كانَ رطبَ الكفِّ يُنْمِي إِلى العُلا
لخيرِ أبٍ قَدْ شادَ سامقةَ العُمْدِ
درجتُ على كفّيهِ طفلاً، ويافعاً
إِلى أنْ كساني الشّيبُ في بُردةِ الرُّشدِ
فلاحَ لَنا فيهِ ظلالُ أبٍ مضى
وعزمُ أخٍ قَدْ كانَ يُغني عَنِ الحَشدِ
وقلتُ: أخي دوحٌ تَفَيَّأْتُ ظِلَّهُ
فطوبى لذاكَ الظّلِّ في دوحةِ الخُلدِ
وطوبى لِاُمٍّ أنبتتنا بيارقاً
فأورقَ وردُ الصّبرِ في موردِ اَلمجْدِ
وشاطرتُهُ مرَّ الحياةِ وطيبَها
يتامى، و وجهُ الكونِ يخلو مِنَ السَّعْدِ
فَلَمْ أرَ في عينيهِ إِلاّ تَبَسُّماً
وفي صوتِهِ يندى ثناءٌ مِنَ اَلحْمدِ
وتعبقُ نفسٌ قَدْ تبيتُ عَلى الطّوى
على ما انطوتْ فيهِ مِنَ النّبلِ و الزُّهْدِ
فإِنْ فرقتنا ذاتَ يومٍ كريهةٌ
نعودُ كما عادَ العِطاشُ إِلى الوِرْدِ
أبثُّ لهُ ماكانَ يخفى عن الورى
فيأسى لدمعي حينَ أشكو مِنَ الصَّدِّ
وَكَمْ كانَ يُبدي عن مُحَيَّا سماحةٍ
ودفءِ مُحِبٍّ راحَ يجلو الذّي عندي
وعوداً لِأَيّامٍ تَنَشَّقْتُ صَفْوَها
أحنُّ إِليها ما شكوتُ مِنَ البُعْدِ
فَمَنْ لي بذاك القلب يأسى لِحُرقتي
ويغمرني أُنساً بفيضٍ مِنَ الودِّ؟

وبي حسرةٌ يشقى بها كُلُّ واجدٍ
براهُ زفيرُ الشّوقِ يعيا عَنِ الرّدِّ
ولو كانَ ذوداً لأفَتُدِيْتَ بخافقٍ
عليكَ انطوى حتّى تناهى عَلى العهدِ
ولكنَّهُ وِردٌ تَبَدَّتْ حياضُهُ
ونحنُ جميعاً ناهلونَ مِنَ الوِرْدِ
تَجَلّى بضوءٍ كانَ قَدْ راشَ سَهمُهُ
فَعانقتَهُ حتّى تَغَوَّلَ في الودِّ!
فأكرمتَهُ روحاً، وأقريتَهُ دَماً
فَعَشَّشَ في الجنبِ الذّي جادَ بالرِّفدِ
وإِنْ كانَ أذوى الجسْمَ قرحٌ من الضّنى
فبعدك أضنى الروحَ هولٌ مِنَ الكَمْدِ
هو الموتُ ميراثُ الذّينَ نُحِبُهم
تَعَلَّم منّا كيفَ يدنو إِلى القَصْدِ!
يسيرُ إِلينا مطمئناً كأنَّهُ
يُشَيّدُ حولَ الرّوحِ سُوراً مِنَ الجُنْدِ
أَحالَ الأُلى كانوا بيارقَ عزّةٍ
بأيدي البلى ذكرى تضيئُ عَلَى الصُّعْدِ
إذا جئتهُمْ تلقى الرّدى صيَّرَ النّدى
فناءً خضيلاً ليسَ يقوى عَلى الرّدِّ
فكيفَ اصطباري بَعْدَ رزئي بمثلِهِ
وقَدْ غابَ بعضي في فضاءٍ بلاحَدِّ؟
أَتُلْقَى الوجوهُ الزُّهرَ في وحشةِ الثّرى؟
ويطوي الثّرى بُرْداً تَلَفَّعَ في بُردِ؟

وحقِّكَ لاعيشٌ يَطيبُ لفاقدٍ
ثوى عَضْدُهُ الأغلى على الأملسِ الصَّلْدِ
وَمثلُكَ مَنْ لا تهجعُ الرّوحُ بَعْدَهُ
وَقَدْ ثَكِلَتْ عَضْداً، وناحتْ عَلَى فَقْدِ
فإِنْ كنتُ ما ودعتُ ركبكَ راحلاً
فبعدَكَ ما ألقاهُ أضعافُ ما أُبدي
ولي منكَ في روحي حُشاشةُ مُوْصِلٍ
تذوبُ أسىً يُغضي عَلَى مُرهفِ الحدِّ
أراقتْ بيومِ الرّوعِ حرَّ وجيبِها
بِحُرقةِ مكلُومٍ يئنُّ بلا رُشدِ
أُسائِلُ عَنْكَ الأفقَ حيرانَ ساهماً
وأكظِمُ جَمْرَ الفقدِ في حُرقةِ الكَبْدِ
وأغزلُ ضوءَ العينِ في طارقِ السَّما
لعلّي أُمنّي الرّوحَ عندكَ بالرّدِّ
وأنَّكَ إِذْ تنأى، فروحُكَ حُرّةٌ
تَرِفُّ على روحي، فأغفو على الوعدِ

بَعدتُ وَلمْ أَدْركْ مِنَ الودِّ حقَّهُ
بقربٍ لأُطفي ما بروحيَ مِنْ وَقْدِ
وقلتُ: لَعَلَّ الدَّهرَ يجمعُ شَملَنا
فباتَ رجائي في اللِّقا جُلُّ ما عندي
ويالوعةَ الفَقْدِ التّي ليسَ تنطفي
على ابنِ أبي إِنْ كُنْتِ سامعةً رُدّي
أخي وبلادي غائبانِ كلاهُما
فَللّهِ ما ألقاهُ مِنْ زمنٍ وغدِ
قبورُ بني أهلي قبورٌ غريبةٌ
مَضَتْ ريحُها ظَمْأى إِلى مَنْهَلِ البْردِ
شتاتٌ بأنأى الأرضِ تذرفُ دمعَها
تُجلجلُ بالشّكوى إلى الواحدِ الفردِ
تُكَفكِفُ في اليمنى دموعاً سخينةً
وتدفعُ سُقْمَ الرّوحِ في مُقلٍ رُمْدِ
وها أنا لاكفٌ تقودُ ضلالتي
إِذا ما كبا خطوي كليلاً إِلى القَصْدِ
فَهَبْني اصطباراً كُنْتَ أقوى مِنَ الأسى
إذا ما عرا خطبٌ لتدفَعَ بالضّدِّ
وَصِلْني بطيفٍ مِنكَ في فيضِ رحمةٍ
أبثُّ لهُ همّي، وأشكو لَهُ وجدي
فإِنَّ بنا شوقاً إليكَ تهيجُهُ
فرائصُ قلبٍ لا يكفُّ عَنِ الكدِّ
تتوقُ إِلى اللّقيا فيقصُر جَهْدُها
وَهَلْ بَعْدَ نعي الرّوضِ سعيٌ لذي جُهْدِ
فيا أيُّها النّاعي هوى مَنْ نُحِبُّهُ
وغابَ صفيُّ الرّوحِ في أدمعِ الوَرْدِ
وأضحى بأرضٍ رائقُ الزّهرِ عندها
تَوسَّدَ طِيْباً كانَ أبهى مِنَ النّدِّ
لئن كانَ في فقدِ الأحبَّةِ غُربةٌ
فإِنّي بذي الرّزئينِ مُمْتَحنٌ وحدي
يمرُّ عليَّ الشّوقُ حيرانَ شاكياً
فَأشكو إليهِ ما يبثُّ مِنَ الصِّدِّ
كأنّي أُناجي الظّاعنينَ بخافقي
متّى يستريحُ الصّبُّ مِنْ مُحْكَمِ القِدِّ؟
فَلَمْ يبقَ في روحي مِنَ الحبِّ لاعجٌ
أَلحَّ عليهِ الشّوقُ إِلاّ شدا بَعْدي
وَسُقيا لطيفِ الأمسِ وجداً لِلَثّمِهِ
ومَنْ لي بطيفٍ قَدْ تناهى عَنِ الحَدِّ
شربتُ دموعي خمرةً قَدْ ألفتُها
وكنتَ نديمي في كؤوسٍ مِنَ  الوَرْدِ
وَذَوَّبْتُ مافي الرّوحِ مِنْ حُرقِ الحَشا
بدمعٍ هتونٍ راحَ يجهرُ بالرّدِّ
فَأُمْسِي وَقَدْ فاضتْ عليكَ حشاشتي
بأكؤسِ جمرٍ قَدْ سُكِبنَّ على الخَدِّ
ولو كانَ ثغرٌ للدّموعِ لَحدّثَتْ
إليكَ دموعي عن قروحٍ مِنَ الكَبْدِ
وَقَدْ كنتُ أرجو القُرّبَ منكَ صبابةً
فضاعَ الذّي أرجوهُ في عُتمةِ الوَهْدِ

ويا غيمَ “سدني” أبلغِ الرّملَ أدمعاً
سَرَتْ مِنْ حنايا الرّوحِ قَطْراً، فَلَمْ تُجدِ!
وَظَلَّل تُرابَ القبرِ لُطفاً ورحمةً
فذاكَ الذّي يثوي أعزُّ الورى عندي
ويا أيُّها الغافي على بُعْدِ نجمةٍ
ودونكَ أفقٌ لنْ يكفَّ عَنِ البُعْدِ
عليكَ سلامُ اللهِ ما مَرَّ صادحٌ
بروضٍ فأشجى الرّوحَ في الغورِ والنَّجْدِ
وما جادَ غيمٌ، واستفاقتْ خمائلٌ
على صُبْحِ روضٍ تجتلي زاهرَ العِقْدِ
وما مَرَّ مِنْ لُطْفِ النسائمِ عاطِرٌ
مِنَ السِّحْرِ إِلاّ كُنْتَ عَرْفاً مِنَ النَّدِّ
وداعاً أخي لم يبقَ في الرّوحِ مكمنٌ
مِنَ الحزنِ إلاّ واستفاقَ على الفقدِ

 

 

29/9/2019
هيوستن

 

 

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *