فضاءات الدهشة

يهتم بالكتابة المدهشة..رئيس التحرير أحمد الفلاحي

كتابات

الحوثيون والإخوان والدولة الوطنية أي مصير؟

أساد مصطفى سعيد

تبدو الدولة الوطنية التي تمنح في ظلها الحقوق لكافة الناس على أساس مواطنتهم وليس على أساس انتماءهم، بصرف النظر عن جنسهم ولونهم وعرقهم ودينهم في قواميس القابعون في الأقبية المغلقة من التاريخ ضرباً من التلهي بما يعتقدونها قيماً، كالاستعلاء القائم على وهم التفوق العرقي الذي يمنح أصحابه حقاً حصرياً في حكم الناس، أو الآخر القائم على وهم حراسة العقيدة، ومحاولة فرض نموذج متقدم من حركة طالبان، تلك الأوهام قادت أصحابها إلى ارتكاب مجازر في اليمن ضد من ادرك منذ وقت مبكر ظلامية تلك الأوهام وضلاليتها.

فكل من يحلم بحد أدنى من الحرية والمساواة وقبل ذلك العيش بأمان بعيداً عن عواقب الاستثمار في الدين، وعبر عن رغبته في ضرورة تحييد الدولة عن الدين وأن تقف الدولة على مسافة واحدة بالنسبة لكل أطياف المجتمع وفئاته، مثل هدفاً جوهرياً لتلك الجماعات التي لم تتوان في توسل أبشع أدوت الإرهاب فتكاً لإسكاته، إما بالموت وهو أسهل الطرق التي تبرع في استخدامها أو الاخفاء والاعتقال والتعذيب في أحسن الأحوال.

فجماعة الحوثي لا تتردد ولا تجد حرجا في التعريف بنفسها كسلطة دينة عنصرية لا مكان للآخر في ظل سلطتها إلا أن يكون تابعاً أو رعية، فهي ترى في سلالة معينة تحمل جينات بمميزات خاصة حسب اعتقادها بأنها صاحبة الحق الالهي في الحكم والتسلط على رقاب الناس بمُبرر ديني يبدو في هذا العالم المتطور ساذجاً. حيث تبدو الصورة البدائية الفجة التي رسمتها جماعة الحوثي عن نفسها كسلطة دينة ومدعية لحق الهي محصور في سلالة معينة خارج سياق العصر وسياق التاريخ في آن.!

فبمراجعة السياق التاريخي التي جاءت في ظله السلطة الدينية التي كانت سائدة في أوروبا في القرن السابع عشر يتبين أن سلسلة الحروب الأهلية التي عمت القارة الأوروبية والتي أدت إلى التوصل إلى معاهدة وستفاليا وصعود الدولة الوطنية باعتبارها الحل لقضية الطائفية وثم الانتهاء إلى أن الناس يجب أن تكون على دين ملوكها، وكانت هذه جزء من عملية العلمنة، بمعنى أن الدين يجب أن يخضع للدولة وأن يُوَحَّدْ لكي يساهم في تشكيل الهوية الوطنية للدولة. فنشوء حق الملوك الإلهي في الحكم ناجم عن صعود الدولة الوطنية وادعائها التواصل المباشر مع الله، أي أن حق الملوك الإلهي بالحكم لم يكن دليلاً على سيطرة الدين، بل على تفوق الدولة وقدسيتها الجديدة التي تبدأ بقدسية الحاكم وتنتهي إلى قدسية الدولة والوطن والأمة. فالغرض في بروز حق الملوك الالهي في الحكم الذي اثبت فيما بعد فشله لأنه ترافق مع اضطهاد الأقليات الدينة كان نبيل وهو المساهمة في توحيد الهوية الوطنية وكبح جماح صراع الطوائف الدينة. غير أن السياق الذي جاءت في ظله جماعة الحوثي كسلطة دينة مدعية الحق الإلهي في الحكم والمحصور في سلالة معينة هو سياق مختلف تماما، فهي جاءت في معرض السطو على الدولة الوطنية بقوة السلاح وعمدت إلى تفتيت الهوية الوطنية إلى هويات فرعية، وبنوع من الخفة حملت شعارتها في احتفالها بالانقلاب على الدولة في 21 سبتمبر 2014 (يوم النكبة كما يحلو لليمنين أن يطلقوا عليه) بعدا ديمقراطيا في تناقض صارخ مع ما تعبر عنه بوضوح كسلطة ذات هوية دينة تحاول أن تفرض نفساها وتحدد نفسها وتقاتل على مجالها الحيوي في الدولة وتسعى إلى تقسيم الوطن لا إلى وحدته، ,وهي بذلك تقف خارج سياق العصر الزاخر بتوق الناس إلى الديمقراطية وتطور النظم الديمقراطية وازدهار عملية التحول نحو الديمقراطية والتخلص من الأنظمة الاستبدادية والسلطوية فكيف بالسلطة الدينة؟ :

أما جماعة الاخوان الإرهابية (حسب تصنيفها في العديد من الدول العربية) فتمثل النقيض الموضوعي الأمثل لفكرة الدولة الوطنية، إذ أنها تقوم على فكرة جوهرية هي تملق غرائز الشارع المتدين من خلال محاولة لأسلمه مزيفة لكل المفاهيم المرتبطة بفكرة الدولة مثل الحرية الفردية وسيادة الشعب والدستور والعقد الاجتماعي والمواطنة والنظام السياسي والديمقراطية، عن طريق التأويلات المنحرفة مثل المزواجة بين الشورى والديمقراطية في محاولة لإعطاء الديمقراطية بعداً إسلامياً في حين أن هذه الأخيرة في سياق ومجال مختلف تماما لا تحتمل فكرة التأويل الديني أياً كان.

وبالتي فأن اعتقاد الاخوان المفلسون بتجسد الإسلام فيهم دون سواهم وهم يسقط بمجرد طرح تساؤل بسيط كفيل بدحض كل ادعاءاتهم. لو كان الإخوان المسلمين فعلاً يريدون بناء حكم إسلامي في البلدان العربية بعيدا عن تملق غرائز المتدينين، فلماذا لا يذهبوا باتجاه انتاج مشروع فكري قائم على روح العصر وليتبناه من تبنى. لماذا الإصرار على تلغيم الحياة السياسية بخلفيات دينية، تجعلهم متمسكون بالقدوم بأنفسهم للسلطة ليرونا كيف يكون الحكم الاسلامي؟ الجواب واضح فالغرض هو السلطة والدين غطاء فقط.

وبين جماعة الحوثي وجماعة الاخوان والأسوأ من السيئين جماعة السلف أو الصلف تأدبا مع مقامهم الدنيء وسيأتي بعد هذا مقال خاص يليق بمكانهم المتوقف عند زمن ابو لهب، تصبح فكرة الدولة الوطنية هي الشيطان ودعاتها هم الشر الذي لا بد من استئصاله.

 

اترك ردا

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *